هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

الثوار اللبنانيون يطالبون بتحرير القضاء!

مع نزول طلاب الجامعات في لبنان إلى الشارع، عادت إلى أذهان كثيرين ثورة الطلاب في فرنسا عام 1968 التي أطاحت الجنرال شارل ديغول. حول هذا يقول أحد قادة الحراك جورج يونس، الناشط منذ سنوات داخل لبنان وفي دول الاغتراب، والذي لديه كل «داتا» ملفات الفساد ومرتكبيه، إن اللعبة في لبنان مختلفة بسبب وجود 18 طائفة. ما تحاول السلطة القيام به هو محاولة تحجيم قيمة الثورة. المثل الأكبر على ذلك عندما نزل الجيش مدججاً بأسلحته لفتح الطرقات. صباح الهجوم لاحظنا الجيش قد حشد قوات كثيرة، وعرفنا أن قائد الجيش الجنرال جوزيف عون تعرض لضغوط كبيرة جداً، وبحكم استقالة رئيس الوزراء أصبحت السلطة التنفيذية بيد الرئيس ميشال عون، القائد الأعلى للقوات المسلحة، فضغط بقوة على قائد الجيش الذي كان يتجنب المواجهة مع اللبنانيين. الهدف من وراء فتح الطرقات سحب البساط من تحت أقدام الثوار، فيعود الجميع إلى الروتين اليومي وكأن شيئاً لم يكن. لكن حصلت ردة فعل عكسية، صارت المبادرات فردية، وحتى قادة الحوار لم يعد باستطاعتهم ضبطها لنقمتها على السلطة والفساد. وصار كل العاطلين عن العمل يعملون ليل نهار في الثورة. ثم نزل الطلاب وانتشرت الاتهامات. السلطة تتهم الثوار بزمن الميليشيات، وهذا أمر مختلف، فالشباب لا يعرفون منطق السبعينات والثمانينات؛ خصوصاً أن كل أفراد السلطة منغمسون بالفساد عمودياً وأفقياً.
يعود يونس إلى الحديث عن ثورة الطلاب والفرق بينها وثورة طلاب فرنسا، ذلك أن حجم الديمقراطية الصورية في لبنان يخدع. المهم أنه حتى المنضوون في ظل الأحزاب ينقمون على زعمائهم، بمعنى أنهم دبروا عملاً للبعض وتركوا الأكثرية. أدخلوهم إلى مرافق الدولة وليس في مؤسسات، أي على حساب كل الشعب. وفي الوقت نفسه نحن في لبنان محكومون بمنظومة زرعها النظام السوري أثناء احتلاله، وهي قصة المقاومة والسلاح. إذا عدنا، عبر هذه التركيبة إلى كتاب «الأمير» لماكيافيللي، نقرأ: «إنه إذا أردت أن تحكم دولة، تدخل جيشك، وتخترق النظام، وتضع ناسك، حتى إذا ما انسحبت تبقى حاكماً لتلك الدولة». جماعة السلطة - سوريا وحلفاؤها - منذ أربعين سنة مزروعة في المؤسسات، هناك في مجلس النواب 1200 موظف، بينهم عناصر سابقون في حركة «أمل». هؤلاء خريجو ميليشيات. كل رئيس ميليشيا جاء بأزلامه موظفين في الدولة، فأصبح الشعب من يدفع الرواتب.
يقول: نرى السياسيين ينتظرون كيف سيتبلور الوضع. بشكل عام يعتقدون أن الوقت لصالحهم!
كيف يكون هذا والوضع المالي والاقتصادي أصبح في الأرض؟ يجيب بأن الإجراءات المالية التي اتخذها المصرف المركزي هي لتفادي الانهيار، لذلك لا يضخ المال، وقد لا تكون السيولة الكافية متوفرة لديه. بلدنا صغير ومنهوب، والمشكلة ليست في الفوائد؛ بل فيمن لم يكن يملك شيئاً وصار يملك مليون دولار. من أين أتى بالمليون دولار؟ هناك تقييد وقرارات بسبب الوضع غير الطبيعي؛ لكن إذا أرادوا اللجوء إلى معالجات باقتطاع من رؤوس أموال المودعين، فهذا سيدمر الشعب اللبناني وسيكون نهباً جديداً للناس.
يضيف يونس: في السبعينات كان كل رأس مال القطاع المصرفي في لبنان 300 مليون دولار. اليوم حجم القطاع المصرفي أصبح 30 ملياراً. ما الذي حصل حتى قفز الرقم إلى هذا الحد، علماً بأن عدد المصارف أقل؟ هذا يعود إلى النهب الممنهج. المعالجة الجدية تتطلب العودة إلى سبب المشكلة وليس إلى المتفرعات، السبب: التهرب من الضرائب، قاموا بصفقات، نهبوا البلد، وصلت تبرعات فسرقوها. هذه هي المشكلة. أما عن كيفية استرجاع هذه الأموال، فيقول يونس: تجري الآن مبادرات فردية كثيرة يقوم بها لبنانيون في الخارج، يتصلون بالأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي والحكومة السويسرية؛ لكنَّ هناك بنداً في القانون اللبناني والقانون الدولي، يقول إن لحاكم مصرف لبنان الصلاحية الكاملة في أن يرفعَ الغطاء عن كل السياسيين في لبنان ويجمِّدَ أموالهم، ويخاطبَ المصارف والمؤسسات والحكومات في الخارج لتقدم على الإجراء نفسه، بعدها يستطيع المواطنون تقديم شكاوى، فتجري تحقيقات، ثم نصل إلى النتائج والتطبيق. وقد تم توجيه كتاب له من «نادي القضاة» وهؤلاء مجموعة مستقلة تقوم بعمل جدي وجيد في لبنان، وأطلقوا بياناً يوم بدأت الثورة، ومنذ أسبوع وجهوا خطاباً لحاكم مصرف لبنان ليعتمد القانون الذي ذكرته لك.
ويقول يونس إن التعامل بالدولار في داخل لبنان سببه أن مجتمعنا خدماتيٌّ وليس إنتاجياً، ولسوء الحظ، منذ عام 1975 حتى اليوم لم نركز على الإنتاجية التي تأتينا بالدولارات. الأدمغة هي الشيء الوحيد الذي يأتينا بالدولار. تهاجر وترسل الدولارات. كل ما ننتجه في لبنان يقدر بملياري دولار، مقابل استيراد بقيمة 20 مليار دولار. وهذا نزف للدولار خارج لبنان، وسبَّب خللاً في الميزان التجاري. نحن لا نحمي الصناعة اللبنانية. كل قصة لبنان استهلاكية. أما المصارف فإنها تأخذ منك، لنفترض مليون دولار، وتدفع فائدة 7 في المائة، ثم توظفها في مصرف لبنان مقابل فائدة 13 في المائة، أي أنها تربح من المليون دولار خاصتك 6 في المائة. يقول: لم نعمل حسب نظام مؤسساتي؛ بل وراثي ومناكفات ونكايات. لقد عملت 20 عاماً في الخليج، وأعرف أنهم يقيمون المشروعات على أسس ثابتة، ويستمرون حتى لو تعرقلت. لديهم خطط. لقد صارت دبي قبلة اللبنانيين.
ما زال السياسيون يبحثون المحاصصة. والسبب أن لديهم شركات ومؤسسات، حتى شركات تقديم الخدمات والطعام لعمال النفط، أسسوها قبل استخراج النفط والتنقيب عنه. وزعوا الحصص بينهم، ثم جاءت الثورة التي ستلفظهم، وهذا يعني أن استثماراتهم ستذهب في غياب المجهول. كل الأنظمة التي تصرفت كما تتصرف السلطة وحلفاؤها في لبنان، سقطت في النهاية. سلاحنا الملفات، والسلطة تحاول إحراق هذه الملفات.
يستبعد يونس أن تتنازل السلطة بسهولة للشعب. هناك سرطان متفشٍّ في كل البلد. إذا سحبت السلطة وزيراً، نعرف أنه زرع جماعته في الوزارة على كل الأصعدة لتمرير صفقاته. لذلك نصرُّ على أصحاب الكفاءات، والأمل موجود.
هل تعتقد أن القضاء يستطيع أن يكون غير منحاز؟ إن كل ما جرى من قبل السلطة مؤخراً مثل ذر الرماد في العيون. إجراءات غير منصفة. القضاة بعضهم عينه رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس حزب. ليس لدينا قضاء مستقل، وهذه كانت القضية الأساسية التي تعمدوا ضربها كي يثبتوا نفوذهم في البلد. لن تكون هناك جدية إلا إذا أصبح الجسد القضائي خارج إطار السلطة السياسية. المحامون المشاركون في الثورة أملهم كبير في «نادي القضاة» المؤلف من قضاة أبعدوا لأنهم لم يقدموا الطاعة للسلطة، وكلهم خبراء. وقد يكون «نادي القضاة» الباب الذي منه يبدأ الإصلاح الجدي في لبنان. ولن نتراجع عن استقلالية القضاء. وقد اتخذنا قراراً بإبعاد ونبذ أي ثائر قائد يوافق على الحديث مع السلطة؛ لأن ما يشرذم السلطة الآن هو أن لا قائد لهذه الثورة تستطيع السلطة اختراقه. كلنا على اتفاق بأننا سنتبرأ من أي شخص يتصل بالسلطة.
في النهاية، الأمل موجود. لن يتعب الثوار، وقد يحصل في لبنان ما حصل في فرنسا عام 1968؛ لأن اللبناني يريد وطناً!