مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

دَعِ الحمقَ واستمتعْ بالمصالح التركية

مما يؤثرُ عن الخليفة عمر بن الخطاب، وقيل الخليفة علي بن أبي طالب: «من كَثُرَ كلامُه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثر خطله».
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، فوّار الدم، ساخن الرأس، يتكلَّمُ بطريقة تبدو شعبوية في كثير من الأحيان بها تهديدٌ ووعيدٌ وتحدٍّ فوق القدرات، سرعان ما يبردُ لهبُها على جليد الواقع وينطفئ جمرها بمطر المصالح.
المشكلة فيمن يصدّق الكلام الإردوغاني «حرفياً» ولا يتعامل معه بوصفه عملاً دعائياً تكّفل به الرئيس شخصياً عوض أن يتركه لبعض صحافييه الموالين، أو حتى لوزير داخليته الناري المزاج هو الآخر سليمان صويلو.
الأربعاء الماضي، كان هناك بواشنطن مؤتمر صحافي عقده الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في البيت الأبيض، في المؤتمر صعقه على حين غرة سؤال مندوب من شبكة «FoxNews» التلفزيونية، يستفسر فيه عن الرسالة التي وجهَّها إليه ترمب 11 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رسالة قال فيها ترمب صراحة مخاطبا إردوغان: «لا تكنْ متعنِّتاً، لا تكنْ أحمقَ» بسبب الغزو التركي لشمال شرقي السوري، ومحاربة القوات السورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والتي كانت تحظى بالدعم الأميركي. وقتها علّق مصدر دبلوماسي تركي على الرسالة الترمبية القاسية، وقال إن إردوغان: «ألقى برسالة نظيره الأميركي في سلة القمامة».
الصحافي الأميركي سأل إردوغان عن رسالة ترمب، وحسب سؤاله: «قال لك لا تكن متعنتاً لا تكن أحمق، لكنك بدأت عملاً عسكرياً هناك، فهل لك أن تشرح لماذا تجاهلت صوته؟».
سؤال محرج، ومعناه أين تهديدك ووعيدك، وأنت اليوم تجلس مع ترمب وترتب معه الأمور؟
الواقع أن المراجع لخطب وتعليقات إردوغان على الكارثة السورية من بدايتها، وعلى واقع الحال بغزة، وعلى قضية جمال خاشقجي، وعلى أزمة الأكراد بسوريا، وعلى حكاية فتح الله غولن وجماعته، وعلى مأساة الروهينغا، وعلى مذبحة مسجد نيوزلندا، وعلى التحول المصري ضد الإخوان، وغيرها من المسائل، سيلاحظ بوضوح ويسر أن كلام الليل يمحوه النهار، ووعيد الغضب يذيبه عسل المنافع.
الاختلاف بين الكلام والعمل، في السياسة، ليس خصيصة إردوغانية، فعالم السياسة مشيّدٌ على أعمدة من هواء، تحركه يميناً أو شمالاً، على طريقة مركب القلق الشهير للمتنبي.
غير أن الذي امتاز به هذا السياسي الفوّار عن غيره من الساسة، هو السخاء الحاتمي في منسوب الكلام، سقفه اللفظي أعلى من غيره الأحياء، لن نتحدثَ عن أشباهِ الرجل من ساسة الماضي، فهم كثر.
كلام... كسرابٍ بقيعة يحسبُه الظمآنُ ماءً.