بوبي غوش
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

كيف يمكن لأميركا مساعدة الإيرانيين وإيذاء النظام الإيراني؟

من الصعب للغاية قياس الطيف الكامل للاحتجاجات التي اندلعت في كافة أرجاء إيران خلال عطلة نهاية الأسبوع، وذلك لأسباب ليس أقلها أن النظام الإيراني في طهران قد أغلق الاتصال عبر الإنترنت في معظم أنحاء البلاد. ويشير هذا القرار إلى استشعار النظام الإيراني التهديد الكبير إثر مظاهرات الغضب الشعبي بأكثر مما كانت عليه الاحتجاجات الشعبية السابقة في نهاية عام 2017.
ولقد اندلعت موجة الاحتجاجات الشعبية الراهنة إثر القرار الحكومي الإيراني بزيادة أسعار الوقود، ومحاولة سد الفجوة الكبيرة في الميزانية الناجمة بصورة جزئية عن العقوبات الاقتصادية الأميركية على الجمهورية الإسلامية. ولكن على نحو ما شهدنا مؤخرا في لبنان والعراق، سرعان ما تحولت الحالة المزاجية للشعوب من مجرد الشكاية من ارتفاع أسعار الوقود إلى الغضب العارم من الصعوبات الاقتصادية العامة، ثم إلى السخط من نظام الحكم القمعي في إيران.
وعلى الرغم من قطع الاتصال بشبكة الإنترنت، ظهرت فيديوهات كثيرة تصور المتظاهرين وهم يرفعون ويرددون الشعارات الداعية إلى الإطاحة بالمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي. وفي بعض المدن، قاموا بحرق صور المرشد الأعلى - وهو من التصرفات الجريئة للغاية في الدولة الدينية التي تعامل المعارضة بأقصى درجات القسوة والقمع.
ولقد مرت بعلي خامنئي بعض الأسابيع شديدة السوء: فلقد تعرض اسمه وصورته لاعتداءات كبيرة في كل من بغداد وبيروت، فضلا عن بلاده. وكان خامنئي قد أيد قرارات الحكومة برفع أسعار الوقود - مع العلم أنه لا يملك أي خبرة في مثل هذه الأمور. وكما هو معتاد، ألقى خامنئي باللائمة في اضطرابات البلاد على المتنمرين وعلى الأجانب، ووجه الأوامر بقمع المواطنين الإيرانيين الذين أعربوا عن استيائهم في احتجاجات الشوارع.
وليس ذلك مفاجئاً في شيء، فلقد وجه خامنئي أصابع الاتهام نحو أعداء إيران في الاحتجاجات التي شهدها عام 2017. وفي واقع الأمر، كانت تلك الاحتجاجات ناتجة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في خضم الانكماش الاقتصادي العام في البلاد. وكان خامنئي قد أطلق العنان وقتذاك أيضاً لأجهزته الأمنية لقمع وإخماد الاحتجاجات.
أما الرئيس حسن روحاني، من ناحية أخرى، فمن غير المرجح أن يكرر المنهج اللين الذي اعتمده إزاء احتجاجات عام 2017 السابقة، عندما أوعز للإيرانيين بأحقيتهم في الاحتجاج. في هذه المرة، وحيث إن الاحتجاجات جاءت رداً على قراراته الحكومية الأخيرة، من غير المحتمل أن يتسم روحاني بالروح الخيرية ذاتها.
فهل سوف تستمر الاحتجاجات الشعبية على الرغم من عمليات القمع الحكومية؟ مرة أخرى، من الصعب الإجابة عن ذلك في ظل انقطاع الاتصال بشبكة الإنترنت في إيران. سوف يلاحظ الشعب الإيراني التحمل الذي أظهره نظراؤهم في العراق ولبنان، والذين واصلوا الاحتجاجات والمظاهرات لعدة أسابيع متتالية. ولكن إيران هي أكثر وحشية في سياساتها الداخلية من العراق أو لبنان. ويبدو أن خامنئي عاقد العزم على الحيلولة دون تكرار تجربة الحركة الخضراء عام 2009 والتي زلزلت أركان النظام الحاكم في طهران.
ترى إدارة الرئيس دونالد ترمب الاحتجاجات الإيرانية باعتبارها دليلاً على نجاح حملة العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني. ولقد أعرب مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي عن تضامنه مع المتظاهرين في إيران، إذ قال مصرحاً: «الولايات المتحدة معكم». ومن غير المرجح لهذا التصريح أن يطمئن الشعب الإيراني في شيء وهم يتذكرون جيداً تعهدات الرئيس ترمب في أوائل عام 2018 بأنهم سوف يحصلون على دعم كبير من الولايات المتحدة. ومن الصعب الجدال مع تأكيدات النظام الإيراني أن مثل هذه التصريحات فارغة ومنافقة.
ولكنها ليست كذلك. إذ يمكن للإدارة الأميركية أن تقوم بفعل أمرين على أدنى تقدير، وبسرعة، لإظهار الدعم الأميركي الحقيقي للشعب الإيراني - مع ترسيخ حالة عدم الاستقرار لدى نظام خامنئي وروحاني في الداخل. أولاً رفع إيران من على قائمة حظر السفر وإصدار التأشيرات الأميركية التي صاغها الرئيس الأميركي في عام 2017، ثانياً إزالة الشكوك ذات الصلة بالعقوبات فيما يتعلق بتجارة - تداول الأدوية المنقذة للحياة إلى إيران.
ومن الواضح أن السماح للمواطنين الإيرانيين بالسفر إلى الولايات المتحدة هي من الأفكار الجيدة، ولدى الولايات المتحدة تاريخ طويل ومشرف في توفير المأوى للمواطنين من البلدان المعادية. (ولن يكون من الصعب التأكد من منع دخول مسؤولي النظام الإيراني عبر هذا المسار). ومن شأن استنزاف العقول المحتمل أن يؤدي إلى إضعاف إيران حتى مع الخلفية المعنوية الفائقة التي تمنحها للولايات المتحدة من وراء ذلك.
وتعتبر الأدوية المنقذة للحياة والمعدات الطبية معفاة بصورة تقنية من قوائم العقوبات الاقتصادية الأميركية. لكن الارتباك يتعلق بما هو مسموح أو غير مسموح، مع صعوبة معالجة المدفوعات التي كثيرا ما أعاقت المستوردين الإيرانيين. ويمكن للإدارة الأميركية أن تحل هذه المشاكل بمنتهى السهولة.
إن القيام بكل هذه الأمور الآن، أثناء اشتعال الاحتجاجات في مختلف المدن الإيرانية، من شأنه أن يزيد الأمر صعوبة على القادة في إيران لتهدئة الغضب الشعبي العارم من خلال إلقاء التبعات على الجهات غير المعنية بالأمر في الأساس. لكن تركيز المتظاهرين الإيرانيين على المصدر الرئيسي لأوجاعهم ومظالمهم يمكن أن يكون في صالح الجميع.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»