لا تذهب شيريل جونسون التي تعاني من الصمم في أذن واحدة ومن صعوبات في السمع في الأخرى إلى المسرح إلّا في حال تمكّنت من الحصول على مقاعد مناسبة لحالتها. وترى جونسون في فهم الممثلين صعوبة دائمة، حتى عن مسافة قريبة. وإذا حصل وسعل أحد الحاضرين أو حتّى فتح كيسا من رقائق المقرمشات، تصبح فرصها لفهم العرض، معدومة.
نظارات نصية
لهذا السبب، سجّلت شيريل اسمها لاختبار نظارات جديدة متطوّرة لعرض النصوص في مسرح «بيبولز لايت» في مالفيرن. وخلال العرض الأخير لمسرحية «دوت» لكولمان دومينغو، ومع كلّ سطر نطق به الممثلون، كانت كلماتهم تظهر على عدسات النظارة وفي أسفلها تحديداً، حتّى لا تحجب رؤية ما يحصل على المسرح. ولم تعد شيريل مضطرة للاقتراب ممن يجلس إلى جانبها لتسأله: «ماذا قال الممثّل»، ولم تعد تفوتها السطور لأنّها لم تتمكّن من سماعها.
وأكّدت المرأة التي تعاني من مشكلات في السمع أنّها «بفضل هذه النظارات، أصبحت قادرة على الضحك مع الجميع».
تقدّم مسارح كثيرة عرضاً «مفتوحاً» للنصوص، أي إنّها تعرض الكلمات على شاشة مثبتة في أحد جوانب المسرح أو فوقه ليتمكّن الجمهور من رؤيتها. ولكنّ هذا الخيار متوفّر عادة في عدد محدود من العروض، أو في الأوقات التي يكون فيها الإقبال متواضعاً. أمّا أجهزة التعليق الشخصية «المقفلة»، فمتوفرة في دور السينما منذ سنوات، ولكنّها أقلّ انتشاراً في العروض الحيّة، فضلاً عن أنّها من تصاميم محمولة متنوعة، أي إنّها تتطلّب من المشاهد نقل عينيه من المسرح إليها وبالعكس خلال العرض، الأمر الذي قد يسبب بعض الصعوبات لمن يعانون من مشكلات في النظر.
يعتبر «بيبولز لايت» واحداً من أول المسارح الأميركية التي تقدّم هذه النظارات التي تعرض نصّ المسرحية بوضوح، مع إمكانية تعديل نوع الخطّ، وارتدائها فوق النظارات العادية.
اختبر هذه النظارات 50 شخصاً يعانون من درجات مختلفة من فقدان السمع على مدار الأسبوعين اللذين عُرضت خلالهما مسرحية «دوت» وسيتمّ توفيرها للجميع بدءً من يناير (كانون الثاني) المقبل خلال عرض مسرحية «ذا تشيلدرن» (الأطفال) من إنتاج المسرح نفسه. ويملك المسرح 12 زوجاً من هذه النظارات ويقدّمها مجّاناً، بعد حجزها مسبّقاً عبر الموقع الإلكتروني أو بطلب في اليوم نفسه في حال كانت لا تزال متوفرة.
نماذج مطورة
يحمل النموذج المستخدم في مسرح مالفيرن توقيع شركة «إبسون» ويبلغ سعر النظارة الواحدة 1200 دولار، وتأتي مزوّدة ببرنامج رقمي خاص تمّ تطويره خلال العامين الماضيين في المسرح الوطني في لندن.
كشف تيم ميدلتون، المدير التقني للمشروع الذي قدم من العاصمة البريطانية في أوائل هذا الشهر لعرض التقنية الجديدة، أنّ النظّارة تعتمد على تحميل نصّ العرض على خادم كومبيوتر، وبرمجته لينتقل من سطر إلى آخر بحسب أصوات الممثلين.
بدأ مسرح مالفيرن تجربة هذه النظارات بناءً على دعوة من ليزا سونبورن، مديرة فنون وسائل الإعلام والثقافة في معهد الإعاقات في جامعة تمبل، بعد سماعها بالجهود التي يبذلها المسرح الوطني في هذا الإطار.
يقول نيل ماك ديفيت، المدير التنفيذي لمركز تواصل الصمّ في سوارثمور، إنّ «بعض الأشخاص المصابين بالصمم أو الذين يعانون من صعوبات في السمع يتردّدون في استخدام أجهزة عرض النصوص الفردية، إمّا لأنّها تجعلهم فئة منفصلة عن الجمهور أو لأنّها غير مضمونة».
قد يصطدم الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في السمع ببعض الخيبات في دور السينما حيث تتوفّر أجهزة عرض النصوص كالنظارات وشاشات العرض المثبّتة في حاملات الأكواب.
وفي بعض الأحيان تكون البطاريات غير مشحونة، أو إرسال الواي - فاي ضعيفا، أو أنّ الجهاز يعرض سطور الفيلم الذي يُعرض في الصالة الملاصقة. في هذه الحالات، سيكون المشاهد المعني محظوظاً إذا عثر على موظّف في الدار يعرف كيف يصلح العيب بسرعة بينما يستمرّ عرض الفيلم.
يقول ماك ديفيت، المشارك في مشروع «بيبولز لايت» إنّ «على الأشخاص الذين يعانون من مشكلات أن يمرّوا بهذه العراقيل ليحصلوا على فرصة مشاهدة متساوية مع الأشخاص العاديين».
ولكنّ عرض النصوص المفتوح قد يواجه بعض التحديات أيضاً على حدّ تعبير تابيثا آلوم، موظّفة أخرى في المسرح الوطني والتي تعمل في مشروع النظارات الجديدة. فقد وجد باحثون بريطانيون راقبوا حركة عيني المشاهدين أثناء العروض المترافقة مع عرض النصوص المفتوح، أنّ هؤلاء كانوا مشتّتين لوقت يوازي نصف مدّة العرض.
من جهتها، لفتت براموتشي من «بيبولز لايت»، والتي راعت مسألة اختلاف الاهتمامات بين الناس، إلى أنّ المسرح سيستمرّ في توفير عروض النصوص المفتوحة إلى جانب النظارات الجديدة في كلّ عرض، وفي مناسبات مختلفة. وتعهدت بأنّه وفي حال ظهرت أي مشكلات مرتبطة بعمل النظارات، سيجد المشاهدون طاقماً مدرّباً يساعدهم على تجاوزها.
في أوائل هذا الشهر، قدّم المسرح عرضاً استخدمت فيه النظارات التي تميّزت بأداء رائع خال من المشكلات. فقد تمكّن المستخدمون من تغيير نوع الخطّ ولونه ومكان عرض النصّ بنقرة إصبع على شريحة لمس صغيرة، حتّى إنّهم استطاعوا التحكّم بالنص ووتيرة عرضه.
بدورها، أبلغت جونسون، المرأة القادمة من غرب فيلادلفيا وتعاني من مشكلات في السمع، الزوّار خلال العرض أنّ هذه التقنية كانت بمثابة الوحي بالنسبة لها ومنحتها نوعاً من «الحريّة»، ما دفع براموتشي إلى البكاء.
وتابعت جونسون قائلة: «أشعر أنني أرغب في البكاء أيضاً. الأمر مؤثّر جداً بالنسبة لي ويلامس قلبي».
- «ذا فيلادلفيا إنكورير»، خدمات «تريبيون ميديا»