ليونيد بيرشيدسكي
TT

«غوغل» وتقليص التهديدات التي تشكلها منصات الإنترنت

أفادت شركة «غوغل» بأنها ستحد من استهداف الإعلانات السياسية، لتزيد من صعوبة التسلل إلى معلومات مضللة للناخبين.
وسيضع هذا القرار الشركة في المقدمة، ويجعلها تسبق غيرها من الشركات فيما يخص تقليص التهديدات التي يشكلها تأثير منصات الإنترنت الكبيرة. لكن كفاءة الاستهداف السياسي الفردي (باستهداف أفراد بعينهم لتلقى رسائل دعائية انتخابية) أمر مشكوك فيه، حيث تستجيب «غوغل» للناحية الأخلاقية أكثر مما تستجيب لأي خطر حقيقي على الديمقراطية.
منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، أصبح الجمهور على دراية بالتقنيات التي تسمح للمعلنين بتوجيه رسائلهم إلى مجموعات محدودة من الناس، ليس حسب مكان الإقامة والعمر والجنس فحسب، لكن أيضاً حسب تفضيلات المستهلك وميوله السياسية وتاريخ التصفح وسجلات التصويت وغيرها من البيانات الشخصية. وقد توج ذلك بفضيحة كامبريدج التحليلية في عام 2018، عندما أظهرت التقارير الإخبارية أن شركة الاستهداف الفردي التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها قد حصلت بشكل غير قانوني على كثير من بيانات المستخدم الخاص من خلال موقع التواصل «فيسبوك»، وكانت المنصات على أهبة الاستعداد لانتهاز الفرصة.
لقد حظر موقع التواصل «تويتر» الإعلانات السياسية تماماً، ولم يبع كثيراً منها، وكان بمثابة منصة مجانية للرسائل السياسية. وفي مقال نشر بصحيفة «واشنطن بوست» عقب إعلان «تويتر»، دعت إلين وينتراوب، رئيسة لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى وضع حد للاستهداف السياسي الفردي، بدلاً من حظر الإعلانات، وقالت إنه «من السهل تمييز المجموعات الحساسة، وتوجيه معلومات مغلوطة إليهم دون مساءلة كبيرة، لأن الجمهور العام لا يرى الإعلان مطلقاً (إذ توجه الرسائل إلى ناخبين بعينهم بشكل انتقائي)».
رغم ذلك، وجدت «غوغل» أنه من المناسب الموافقة على اقتراح وينتراوب، بدلاً من خوض معركة شاقة استناداً إلى الحجج التي ساقها ويلسون. وأصرت على أن الاستهداف الأساسي سيكون فقط حسب العمر والجنس، وأنه سيسمح بالحصول على الرمز البريدي.
بطبيعة الحال، لم يكن ذلك أكثر مما احتاج إليه المتصيدون الروس في انتخابات عام 2016، وذلك حسبما أشار إليه ويلسون، حيث اعتمدت حلمتهم الدعائية على عنصر الجغرافيا إلى حد كبير. ولا يوجد حتى الآن دليل على أن الاستهداف الفردي (بإرسال رسائل دعائية لكل ناخب على حدة) أكثر فعالية من أشكال الإعلانات الأخرى. ويميل العمل الأكاديمي حول هذا الموضوع لأن يكون نظرياً إلى حد ما، في حين أن الأدلة التجريبية نادرة.
وفي بحث نشر العام الحالي، خلص الباحث الألماني لينارت كروتزك، بعد تجربة مطابقة بين الإعلانات والملفات الشخصية، إلى أن «رسائل المرشح أكثر فعالية في تحسين شعور الناخب تجاه المرشح، عندما تتوافق الرسائل مع ملف تعريف شخصية الناخب، لكنها لا تؤدي إلى زيادة الميل للتصويت للمرشح المعلن عنه».
ولم تفعل منصات الإنترنت الكثير في سبيل تعزيز دراسة الاستهداف السياسي.
وتقدم «غوغل» تقريراً شفافاً عن الإعلانات السياسية عبر منصاتها المختلفة، مثل: صفحات البحث، ومنصة «يوتيوب»، ومواقع شركاءها في الوسائط الإعلامية. وتقول الشركة إن أكبر مُعلن في الولايات المتحدة خلال الأشهر الاثني عشر الماضية كان لجنة ترمب المسماة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، التي أنفقت 8.5 مليون دولار. ويكشف التقرير أن المجموعة الموالية لترمب قد استهدفت في أحدث إعلاناتها جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 18 عاماً في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، لكنه لم يقدم أدلة عما إذا كانت عملية الاستهداف دقيقة، وهو الحال بالنسبة لبقية المعلنين أيضاً.
إن تقرير الشفافية الخاص بموقع «فيسبوك» يكتنفه الغموض تماماً، عندما يتعلق الأمر بالاستهداف الدقيق للإعلانات من خلال اهتمامات الناخبين والميل السياسي.
ويسهل على «غوغل» التخلي عن الاستهداف الدقيق، نظراً لأن موقع «فيسبوك» قد تخلى عن إحدى نقاط قوته الأساسية، وهي إمكانية ربط الإعلانات بالبحث عن الكلمات.
لكن «فيسبوك» ليس مجبراً على تقديم هذه التضحية. وسيكون أكثر منطقية أن نكشف بالضبط كيف يجرى الاستهداف السياسي لكل إعلان، وكذلك التعاون مع الباحثين المهتمين بتقييم كفاءة الإعلانات.
وكان من المفترض أن تفعل «غوغل» الشيء نفسه، بدلاً من وضع قيود صارمة ربما لن تفعل الكثير لرفع مستوى الخطاب السياسي. فمتخذو القرار السياسي في حاجة إلى البيانات، وليس الضجيج، لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن كيفية تنظيم الإعلانات الحديثة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»