خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الظرف أنجع من المديح

سبق أن أعربت عن إعجابي وحسن تقديرٍ بالشعراء الذين يستَجْدون صراحة وبشجاعة، وفضّلتهم على من يستجدون بالمديح والتزلف المفضوح والمخفي. يسرني أن أقول إنني وجدت أن المغفور له الملك فيصل الأول، عندما كان ملكاً على سوريا كان من أنصاري في هذا الرأي والمزاج.
قبل إخراجه منها على يد الفرنسيين. كان قد تردد عليه مراراً الشاعر أمين خير الله، ومدحه كثيراً بقصائد طويلة، من دون أن يلتفت الملك إليه ويعطيه شيئاً. ضاق الشاعر بصبر على بلواه وملّ من الانتظار.
استغلّ فرصة أخرى، فاستجدى الملك صراحة بقصيدة قصيرة من 9 أبيات، كلها ظرف ودعابة أضحكت الملك وسرّته كثيراً وهو يستمع إلى ما قاله منشداً...

أميري فدتك النفس شكواي مرة
ولا بد من شكوى إلى واسع الحلم
رأت بنت عمي أن كفي خلية
فما رحمت فقري ولا رهبت شتمي
وقالت أيا حاوي القريض بضاعة
إلى كم تطيل الجهد في خدمة الوهم
تمر شهور لا تزال ملازماً
بباب المليك الغادق الكرم الجمّ
وتأتي كما تمضي ورأسك ملؤه
وعود ولا تأتي بشيء من الغُنْم
إذا كنت لا تُعطى هناك جوائز
فها أنا أعطيك الجوائز من عزمي
وأهوت بقبقاب على صلب منكبي
كمطرقة الحداد على ساعد ضخم
ألوذ بمولاي المليك وعدله
من الظلم يأتيني على إثر الظلم
إذا كنت لم أخجل لأني مخيب
فإني من القبقاب أخشى على عظمي

هذا ما كان من أمر الظرف الملكي. وقد كان هناك أيضاً الظرف البروليتاري. استطاع الشاعر رشيد عساف أن يحصل على رغيف من خبز الشعير أثناء الحرب العظمى، فراح يتغنى به، ويقول باللهجة العامية...

اليوم مناكل خبز شعير
وبكره منطرق شنهوقه
خايف ما تقوم الحمير
وتطالبنا بحقوقها

حصل على رغيف الشعير شاعر آخر، أحمد الجزار، وتذمر من اقتصاره على ذلك دون إدام أو سلطة فانطلق يشكو...

رطل شعير بخمس قروش
والدامي عظمة وكروش
كنا رضينا بشنهوقه
صار بدنا نشنهق ونهوش!