فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

زيارة توطِّدُ أسس العلاقة والشراكة

في تجارب الأمم حين يتواطأ الأضداد على التخريب من حولك فأمامك خياران لا ثالث لهما، الاستسلام والخضوع لعاتيات الرياح المسمومة، والتراخي، وإعلان العجز، بانتظار الاندثار، أو صناعة الأحلاف القوية، وتجهيز العدة والعتاد، والاستنفار من أجل الدفاع عن النفس والحرب والبناء.
في معارك اليونان لو أن إسبرطة في المائة الرابعة قبل الميلاد استسلمت ولم تقاوم وتحارب أثينا لتغير مسار التاريخ، اختارت القوة وراهنت على الرجال الأساطير من أجل المقاومة والبقاء، واستراتيجيتها ليست في الانزواء وراء الجدر المشيدة فإسبرطة بلا جدران، وإنما بشحذ اللسان والسنان، وركوب ثبج التحديات، حتى أصبحت تلك القوة الجبارة موضع اعتزاز في تاريخ الغرب، وتراها بأساطيرها تتكرر بصرياً في الأفلام والمسلسلات، لقد كان خيار القوة أساسياً لا من أجل البقاء، وإنما في طريق تعزيز الإرث، والخلود في مفاخر التاريخ.
هكذا فعلت السعودية والإمارات، خاضتا الحرب الضرورية في المنطقة من أجل إنقاذ المحيط وإحلال السلام، فكانت عاصفة الحزم التي نظَّفت المنطقة من المجاميع الميليشيوية الطاعنة في خاصرة الخليج.
طوال عشر سنواتٍ عاشها العرب رأوا فيها ألواناً من الفوضى، وما كان الخراب اعتباطياً بل وصلنا إلى ما يشبه «تواطؤ الأضداد على خراب العالم» كما يعنون علي حرب لكتابه. التحدي الرئيسي يتمثل في قوى رجعية متحالفة مع إيران وتركيا ومن في فلكها من دول صغيرة وصغرى لصناعة واقع مشوّه ينتهي بنشوء دول تعيش على ما يسميه الأستاذ عبد الله بن بجاد: «استقرار الفوضى»، دول من دون لون، عاجزة عن السير، تحوي مجتمعات يراد لها العيش خارج العصر، حدثت مقاومة لهذا النموذج في السودان، والعراق، ولبنان، الانتفاضة ضد الرجعيات العسكرية، والفساد المهول، وضد الدولة بوصفها حارسة لنموذج الطائفة، وإذا تمخّضت هذه الموجات الاحتجاجية عن نمط علماني - وهذا صعب المنال - فمن الممكن حينها البدء في إعادة صياغة الشرعة الدستورية وتعديل صرح الدولة ومؤسساتها بما ينسجم وفردانية الإنسان، ومدنية الدولة، وترتيب المجالات بين الدين والسياسة بما يحرس قداسة الدين من أوضار السياسة، ويعزز من تفرغ السياسة للتخطيط والتنمية.
صمام الأمان في المنطقة اليوم يتمثل في التحالف السعودي الإماراتي، وهو تحالف مشدود على مدى سير العقود، لم تخدشه قطيعة، ولم يثلمه متآمر.
إن زيارة الأمير محمد بن سلمان الإمارات تعزز من دور الشراكة وتقوي التحالف، وترسم شكله ضمن برامج واستثمارات وخطط طويلة الأمد.
لقد وصف الشيخ محمد بن زايد قبل سنواتٍ مضت العلاقة بين البلدين بأنها «مبنية على الصدق، وعلى عدم إخفاء أمر من طرفٍ عن الآخر»، مبادئ ثابتة وراسخة اختبرتها الأحداث والسنين، وبانت نتائجها وثمراتها اليانعة.
البعض يظنّ أن التحالف يعني التطابق وهذا مستحيل نظرياً، ولم يحدث في تاريخ أي دولتين بالعالم، لكنه باختصار يعني: «شراكة متقنة مبنية على أسس من الحفاظ على مصالح الطرفين ضمن وضوحٍ دائمٍ وحوار مستمر»، وهذه ميزة أساسية تفقدها دول أخرى تعاني من العته السياسي والتيه الاستراتيجي.
تقوم العلاقة السعودية الإماراتية على أركان، منها:
* الحفاظ على الدين الإسلامي من عبث الغلاة، والعودة لأصالة الدين، بأسسه السمحة، وثوابته الروحية، وتعاليمه الأخوية، وتعزيز الهدي النبوي المستنير الذي حجب عن المسلمين بسبب الصراع السياسي التاريخي، والحرص على نشر وإظهار القيم العليا لاستثمارها في بناء الإنسان.
* استثمار القوة الضاربة المتوفرة لدى البلدين في مجالاتٍ منها: (الاقتصادي - الثقل السياسي - الجغرافي - الروحي)، وتنويع خطط مجلس التنسيق المشترك، ليكون التحالف أعمّ من هرميته السياسية، ليستشعره الإنسان في يومياته. وأثمر نتائج تمثلت في عملة رقمية موحدة، ومجلس شباب بين البلدين، بالإضافة لاتفاقيات اقتصادية وتجارية عملاقة. وتعزيز القوة ركن أساسي ورثه الأبناء والأحفاد من قيم الآباء المؤسسين في البلدين ووصاياهم الخالدة.
* إن الشراكة بين البلدين في إدارة أزمات المنطقة، وقضاياها العالقة، والتحاور حول سبل إطفاء الحرائق، وإنهاء النزاعات لهما أكبر الأثر في إنقاذ مجتمعاتٍ عربية من التدهور والانهيار، تفضل الدولتان حلّ الأمور بشكلٍ سلمي، ولكنها تستخدم القوة في حال الاضطرار، تطبيقاً لاستراتيجية الحرب من أجل السلام، وهذا تثبته أحداث المنطقة طوال العقود.
لقد ساهمت قوّة الأمير محمد بن سلمان في تغيير خريطة المنطقة، وأصبح شخصية جماهيرية يتوق لنموذجها العرب؛ لأن رهانه كان دائماً على التنمية، والحيوية الاقتصادية، وتحقيق الرفاه، ورفع جودة الحياة، وتغيير طريقة الحكم والإدارة... إنها شخصية استثنائية وعظيمة ونادرة في التاريخ.
«التاريخ يصنعه الشجعان، وتاريخ المنطقة اليوم يتغير بسبب محمد بن سلمان»، قالها الشيخ محمد بن راشد أثناء استقباله للأمير محمد، هذا هو حلف الضوء والنور، في وجه محاور الشر، وصناع الموت.