ليونيد بيرشيدسكي
TT

المفوضية الأوروبية... صراع فرنسي ألماني

في شهر يوليو (تموز) الماضي، اقترح ماكرون على مرشحي الحزب الذين شاركوا في الحملة الانتخابية بجرأة اسم فون دير لين لرئاسة المفوضية الأوروبية. ورغم دعمها للعملية السياسية وإقرارها بأن أياً من المرشحين الداعمين سيكون قادرا على الفوز بالأغلبية في البرلمان، فقد وافقت ميركل على الترشيح. ولم تتفوق فون دير لين إلا بهامش ضئيل من الأصوات.
ثم حدث بعد ذلك ان انتقم المشرعون من ماكرون لرفضه مرشحه الفرنسي المختار للمفوضية الأوروبية سيلفي جولارد، مما اضطر ماكرون إلى تسمية رجل أعمال التكنولوجيا والوزير السابق تيري بريتون بدلاً منه، والذي حاز عدداً من الأصوات جعلته يمر بالكاد.
بعد أن أمضى البرلمان أسابيع في إجراء مقابلات مع المفوضين المقترحين ورفض البعض الآخر، حصلت فون دير لين الأربعاء على المنصب بعد شهر من الموعد المحدد مسبقًا. لكن ذلك لا يعني أنها لن تواجه عقبات في سبيل تقدمها. فحزب «الخضر» الذي امتنع عن التصويت خلال مرحلة التأكيد، سيطالب المفوضية بالمزيد ولن يكون إرضاء الفصائل الوسطية الأخرى بالأمر السهل نظرًا للخلاف المتزايد بين يسار الوسط ويمين الوسط حتى في ألمانيا لأنهما يحكمان سويا.
لكن المشكلات التي ستواجهها مفوضية فون دير لين مع المجلس الأوروبي الذي يتألف من قادة وطنيين، ستكون أكبر من المشكلات التي ستواجهها مع البرلمان. فهناك فرنسا وألمانيا - الدولتان اللتان عملتا على دفع الاتحاد الأوروبي إلى الأمام بعد خروج بريطانيا منه – اللتان كانتا على خلاف في الآونة الأخيرة. فقد قام ماكرون بمنع بدء محادثات انضمام الأعضاء الجدد المحتملين في الاتحاد الأوروبي وهما ألبانيا ومقدونيا الشمالية، ودفع بخطة لجعل أوروبا أكثر استقلالًا عسكريًا عن الولايات المتحدة، وهو ما عارضته ألمانيا.
الأربعاء الماضي، استجابت ميركل بقوة لانتقادات ماكرون لمنظمة حلف شمال الأطلسي عندما قال إن «عقلها ميت»، وقالت للبرلمان الألماني: «لا يمكن لأوروبا في الوقت الحالي أن تدافع عن نفسها بمفردها، فنحن نعتمد على هذا التحالف عبر الأطلسي، وهذا هو ما يجعلنا نعمل من أجله وتحمل المزيد من المسؤولية».
أثارت محاولة ماكرون الواضحة تولى القيادة منفردا في أوروبا غضب الألمان. ووفقًا لمقال نُشر مؤخرًا في صحيفة «نيويورك تايمز»، فخلال حفل عشاء أقيم احتفال بالذكرى الثلاثين لسقوط حائط برلين، قالت ميركل لماكرون: «لقد سئمت من محاولة جمع قطع الفناجين التي كسرتها أنت ولصقها من جديد حتى نتمكن من الجلوس وتناول كوب من الشاي معًا»، بحسب ميركل.
في الحقيقة، يمثل ذلك الوضع تراجعا في مستوى العلاقة البناءة بين الطرفين. في حالة كهذه، تواجه مفوضية فون دير لين احتمال الوصول الى طريق مسدود في المجلس الأوروبي بشأن مقترحات المجلس الرئيسية. ستحاول كل من فرنسا وألمانيا استخدام سلطة المفوضية لصياغة السياسات والاستفادة من الأيدي العاملة الكبيرة التي تتمتع بها تل تلك السلطة لدعم مواقفها - أي لإرضاء نفاد صبر ماكرون وحذر ميركل من التسوية التوفيقية.
بالطبع، وعدت ميركل باعتزال السياسة عام 2021 - لكن من المحتمل أن يتصادم زعيم ألماني أكثر حزما مع ماكرون. وفي مثل هذه الحالة، قد يكون التوازن الهائل بين الجنسيات في الوظائف الرئيسية للموظفين أمرًا مهم. والأربعاء الماضي، أفادت «بوليتيكو بروكسل بلاي بوك»، وهي نشرة إخبارية مطلعة على سياسات الاتحاد الأوروبي، بأن خمسة رؤساء وزراء (أو رؤساء الأركان) في المفوضية – الألماني بريتون من بينهم، سيكونون ألمانيين، ولن يكون أحدهم فرنسيًا.
لكن حتى إذا ثبت أن تقرير «بوليتيكو» غير صحيح، فسيبدو التوازن مزعجًا لماكرون، حيث تتمتع المناصب العليا بتأثير قوي للغاية في صنع القرار في الاتحاد الأوروبي، وإذا كان هناك تأثير ألماني قوي على مستوى رئيس الأركان، فلن يكون من السهل على ماكرون الدفع بمقترحاته.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»