حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

بشّروا ولا تنفّروا

ليس ثمة حاجة ماسة إلى خطاب يتلمس التبشير لا التنفير، ويتوازن فيه بين الترغيب والترهيب، مثل الحاجة إليه في هذا الزمن الذي فتحت فيه السوشيال ميديا كل المغاليق، وهشمت فيه كل الحواجز وحطمت كل الحدود، وقد كتب أحد المشايخ كلاماً حول «ذنوب الخلوات»، وصفها بأنها علامة نفاق، وكانت الردود العفوية على هذا النوع من الوعظ القاسي مقياساً لمدى الإحباط الذي أصاب المتلقي، حتى إن «وعظ التيئيس» يكاد يدفع المتلقين إلى المزيد من الانفلات، بدل أن يكون مكابح من الانحراف، يختزل هذا الإحباط الذي صنعته موعظة الشيخ تعليق أحد الشباب بقوله «ذنوب الخلوات نفاق، وذنوب العلن مجاهرة! ما العمل؟».
ولهذا؛ علّق عالم حكيم التقيته مؤخراً، فذكر أنه من خلال تجربته في التواصل مع الجيل الجديد وسماع فضفضته وتلقي شكاواه وهمومه بسبب المثالية الشديدة التي يطالب بها بعض الدعاة والواعظين، لاحظ أن منهجهم أشبه بالأسلوب الكهنوتي الذي يطالب الناس بالمستحيل ليكون الفرد منهم ملائكياً مبرّأً من الخطيئة وخِلْواً من أدران الذنوب، وأن ارتكاب الذنب أمام البشر مجاهرة، واجتراح الخطيئة في السر نفاق، فأين المفر؟ فكانت النتيجة انحرافاً شديداً صنعه يأس يتغلغل في النفس وإحباط يسيطر على الشعور، يقول أحد الشباب في فضفضته حول الموضوع ذاته: «ذنب العلن مجاهرة وكل أمتي معافى إلا المجاهرون، وذنب الخلوة نفاق، فخلينا نفتحها بحري على ما لذ وطاب من المحظور وغير المحظور ونستريح»، يقول الشيخ الحكيم: والصحيح أن الدين يراعي القصور البشري ويعالجه برفق ولين، فيجعل ذنوب الخلوة دلالة على الإيمان وليس العكس، لكن يعالج الخطأ فوراً بالتوبة حتى لو تكرر الخطأ مرات ومرات.
والمؤسف أن بعض الدعاة والواعظين ينسى نصوصاً صريحة توضح أن ارتكاب الخطأ والخطيئة من طبائع البشر، وعلاجها بالتوبة عنها لا تيئيس الناس، في الحديث الصحيح «كل ابن آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون»، «لو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون ليغفر لهم».
ومن الأخطاء التي تُرتكب في توجيه الواعظين، تصوير تكرار ارتكاب الذنب على أنه ورطة لا مخرج منها، فيرتكس المسكين في حالة نفسية يائسة بائسة، مع أن نصوصاً كثيرة تفسح الأمل، وتفتح أبواب الرجاء مشرعة «ما مِن عبدٍ مؤمنٍ إلَّا وله ذنبٌ يعتادُه الفَينة بعدَ الفَينة، أو ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يُفارِقُه حتَّى يُفارِقَ، وإنَّ المؤمنَ خُلِقَ مُفْتَناً توَّاباً نَسَّاءً إذا ذُكِّرَ ذكَر».