فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

كلمة العيسى ومصير تصورات المسلمين

من الممكن الاستماع بإنصات لخطابات الاعتدال في المجال الفقهي والشرعي.. تزخر المنطقة بعدد لا بأس به من الفقهاء والحكماء، ومن أولئك الشيخ محمد العيسى الذي يطلّ بين فترة وأخرى بأفكارٍ غير تقليدية تتناول الحالة الفكرية داخل المجتمعات الإسلامية.
لعل كلمته الأخيرة في منتدى الإعلام السعودي جاءت ضمن تشخيصه المستمر حول مستقبل تصورات المسلمين للعالم.
إن تمدد حركة «الإخوان المسلمين» جعل خطابها المأزوم والارتكاسي هو السائد في المجاميع والمحاضرات والخطب: (تجهيل المجتمعات، تكفير الحكومات، شيطنة الغرب وحضارته) بزخرفٍ من القول بلغ ذروته بسؤال أبي الحسن الندوي التاريخي: «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين»، ولم ينتهِ عند الخطاب الآسياني، خطاب المعذّب لذاته، والمعذّب لقارئه، خطاب الدموع والدماء عند سيد قطب.
من المعلوم أن الحركة الأصولية ليست في أفضل حالاتها الآن، وأن خطابها في انحسار بسبب الحرب المكثفة على الإرهاب في المنطقة، وتطور وعي الحكومات بخطر النظرية وأنها بريد البندقية، غير أن الانحسار لا يعني نسيان الظاهرة وإهمالها، بل لا بد من مناقشة أثرها على وعي المسلمين في عالمهم. ومن ذلك كراهية الغرب أو «الغرب فوبيا»، من النادر أن تقصّ أثر داعية أصولي ثم لا تعثر على مادة نظرية له حول الغرب، هذه العداوة ركن ركين في خطاب الأصوليين.
ركز الشيخ العيسى على «الإسلاموفوبيا» وقال في محاضرته إن «خطاب الإسلاموفوبيا لم يقتصر على العالم العربي والإسلامي، وعلينا إيضاح الصورة الحقيقية للإسلام والتصدي للأفكار المتطرفة». فالخطاب الديني المتشدد وضع صورة مشوهة عن الإسلام ووصفه بدين رافض لغيره. مصطلح الإسلاموفوبيا له آثاره السلبية مع تزايد وجود المنظمات المتطرفة والإرهابية المحسوبة زوراً على الإسلام، والرابطة حاورت بعضاً من اليمين المتطرف وأعلنوا تراجعهم. إن مصطلح الإسلاموفوبيا مهم في دراسته والبحث عن كافة تفاصليها، وهذا المصطلح هو باختصار الخوف من الإسلام والمسلمين والقلق من الإسلام والمسلمين، يجب علينا كمسلمين التصدي للخطاب المتشدد الذي أثر في العالم الإسلامي وخلق صورة مشوهة عن الإسلام وخلق قلقاً من الدين الإسلامي لدى الآخرين. إن 50 في المائة من أسباب «الإسلاموفوبيا» تأتي من داخل العالم الإسلامي، دعا كل من يعيش على أرض دولة أن يحترم دستورها وقانونها.
إن نشوء نظرة سلبية من الغرب تجاه أشكال وأنماط وسلوكيات لدى بعض المسلمين وبخاصة من السياح أو المهاجرين سببه الأساسي القيام بأعمال العنف، وليست كراهية الغرب للإسلام، لقد بنيت المساجد وأنشئت مؤسسات إسلامية حكومية في أوروبا وأميركا من دون أي اضطرابٍ بين الفاعلين المسلمين والمجتمعات الغربية، إلا أن تنامي الخطاب الكاره للغرب نشأ لاحقاً. إن تصاعد سيطرة الحركة الأصولية للمناشط الدينية في الخارج عززت الممانعة بوجه المسلمين، ولعل فرنسا تعبر عن نموذج صارخ في استقبال المهاجرين والتعامل معهم منذ وقتٍ مبكر، ومع ذلك وبعد صعود تمثيل المنظمات المتطرفة للإسلام جعلت حجج اليمين أكثر حيوية في السجال السياسي. إن نمو الخطاب الكاره للمسلمين بدأ مع مؤسسات تنظيم «الإخوان المسلمين» وعززته أعمال تنظيم «القاعدة» وتوّج بالفوبيا المبررة منهم بممارسات تنظيم «داعش».
إن الحديث عن خطأ «الإسلاموفوبيا» عند الغرب أو «شيطنة الغرب» عند المسلمين لا يمكن حلّه في نقاشٍ أو محاضرة؛ إنه ليس وعياً عند فردٍ أو تيارٍ أو مؤسسة، بل هو وعي جمعي تغييره لا يتم إلا بعملٍ دؤوب يراهن على تحولات الوعي وسير السنين. لا يمكن طرح نموذج واحدٍ للغرب يجعله يحب المسلمين على الفور، وهو يرى الأعمال الدموية في بروكسل وباريس ونيس ولندن ومانهاتن، إنها قصة طويلة أصعب من الحديث النظري والتعويل على التصحيح الفكري المباشر.
الشيخ العيسى طرح الموضوع بطريقة حديثة. نعم ثمة أزمة بين المسلمين والغرب، وكل طرف يعتقد أن لديه مبرراته ومزاعمه على الآخر، غير أن المهمة المنوطة بالمسلمين أكثر صعوبة بسبب المسار النظري الممتد والمبني على أسس راسخة في المناهج والندوات ومحاضن التربية.
على الأقل نحن في الخليج، علينا صناعة وعي آخر تجاه الغرب، إذ نتأثر به ونفيد منه، ونرتبط بعلاقاتٍ وطيدة معه، ولم تصطدم مصالحنا معه على الإطلاق، أما من يريد سل اللسان والسنان على الغرب والأميركان إنْ من «حزب الله» أو «الإخوان» فليتجه إلى الميدان، أما نحن فعلاقتنا مع الغرب أساسية ومفيدة وممتدة ومثمرة.