حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

عن قدسية الدستور

المتابعون للحراكات الشعبية حول العالم في هونغ كونغ وفنزويلا والعراق وإيران وتشيلي ولبنان وفرنسا، يدركون أن كلاً منها حراك للمطالبة بالحقوق والديمقراطية، ولكن يخطئ هؤلاء المتابعون إذا اعتقدوا أن هذه الساحات هي معركة الديمقراطية الأهم، بل هذه المعركة تحدث الآن في أروقة الكونغرس وعلى منابر الإعلام هناك.
ثلة من القانونيين المؤمنين بقدسية الدستور والمتمسكين بالفصل بين السلطات قرروا التدخل لصون الدستور وحمايته من التجاوزات التي حصلت بحقه من السلطات التنفيذية. وهنا كان للإعلام الدور الأعظم في «التحقيق» و«الكشف» عن الوقائع وممارسة دوره كسلطة رابعة، تطبيقاً عملياً للحق الذي يكفله الدستور.
أميركا تدرك تماماً أن هذا النوع من الإعلام والحريات المصاحبة له يعطيها ميزة تنافسية فريدة، لأن هذا النوع من الإعلام هو الذي يمنحها القدرة على نقد ذاتها، وبالتالي المراجعة والإصلاح والتطوير بعد ذلك. فمثلاً وعلى عكس الاتحاد السوفياتي الذي قضى عليه إعلامه الذي كان بمثابة ماكينة إخراج الأكاذيب وإخفاء المشكلات والعيوب، والانشغال بتمجيد الزعامات والقيام بدور رابطة المشجعين، كشف الإعلام الأميركي خلال هذه الفترة عن تجاوزات الإدارة العسكرية في حرب فيتنام، وبعد ذلك التجاوزات التي حصلت في فضيحة «ووترغيت»، وتلتها فضائح ما حصل في غزو العراق وسجن «أبو غريب» وتعذيب السجناء في معتقل «غوانتانامو»، وتسريبات الموظف سنودن حول تجاوزات وكالة الأمن الوطني.
المشهد القانوني والتشريعي والإعلامي الحاصل في واشنطن هو «دورة مكثفة» في المفاهيم للعالم بأسره. فهناك العديد من السوابق التي تُستحدث ستشكّل مرجعية لدول مختلفة حول العالم بعد ذلك. الإعلام صريح وواضح هناك، فالرأي غير الخبر والعكس صحيح في معظم دول العالم العربي، حيث الخلط واضح ومقصود وكبير جداً بين الاثنين، حتى الساسة يخلطون رأيهم السياسي (بمبادئهم الشخصية). ولعل تصريح زعيمة الكونغرس الأميركي نانسي بيلوسي الأخير حينما قالت: «أنا كاثوليكية ولا يمكن أن أكره أي أحد»، وهذا دليل واضح على وجود الصراع الخفي بين القيم الكاثوليكية (الديمقراطية الاجتماعية أو الاشتراكية) في مواجهة القيم البروتستانتية (المسؤولية الفردية، الحرية الشخصية والرأسمالية)، تماماً كما هو حاصل في صراع القيم الهندوسية ضد غيرها في الهند، والقيم البوذية ضد غيرها في ميانمار.
ما يحصل في المواجهات الدستورية والقانونية والإعلامية في واشنطن لن يبقى في واشنطن. والقصة ليست عزل الرئيس دونالد ترمب ولكن حماية الدستور وتكريس فصل السلطات.
لا يوجد شيء اسمه نقد بنّاء وآخر غير لائق؛ هناك قضاء يفصل بينهما ويبقى الفيصل هو مساحة الحرية التي يمنحها الدستور ويضمنها ويحميها القانون.