إسرائيل إلى انتخابات ثالثة... والخوف من أخرى رابعة

حتى قبل أن تبدأ معركة الانتخابات الإسرائيلية الثالثة، التي أقرت ليوم 2 مارس (آذار) المقبل، يعبر السياسيون الإسرائيليون عن قلقهم من استطلاعات الرأي التي تشير بمعظمها إلى أن الجولة الثالثة يمكن أن تنتهي بالنتيجة الأخيرة نفسها فلا يستطيع أحد من المتنافسين تشكيل حكومة والتوجه إلى انتخابات رابعة.
وقد بدأ المستشارون الاستراتيجيون للأحزاب، وبينهم عدد من الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، يعدون الدراسات والخطط لمواجهة هذا الخطر ومنعه. وكل منهم يفتش عن طريقة تجعل الجمهور يقتنع بأنه ليس السبب في التدهور نحو الانتخابات. وخلال كل هذا، يفتش هؤلاء عن تلك الجمل الحادة، التي يريدون لها أن تخترق الأذهان وترسخ لدى الجمهور لصالح حزبه أو قائده. وقد حرص ممثلو الأحزاب في لجنة الانتخابات المركزية على إحداث طفرة في مخصصات الأحزاب للصرف على الدعاية الانتخابية. وارتفع تمويل كل حزب بمبلغ 200 ألف دولار وتمويل كل عضو كنيست بنحو 150 ألف دولار أميركي.
ويدير بنيامين نتنياهو معركته ضد خصومه باعتبار أنهم سيقيمون حكومة ضيقة مع العرب، ويهددون بذلك مصالح إسرائيل الأمنية، مع أن خصمه الأساسي هو «حزب جنرالات» الذي يضم 4 رؤساء أركان سابقين للجيش (بيني غانتس وموشيه يعلون، الذي شغل أيضاً منصب وزير دفاع، وغابي اشكنازي الذي خدم مديراً عاماً لوزارة الدفاع، ودان حالوتس) وستة جنرالات كانوا أعضاء في رئاسة الأركان ونائب رئيس للموساد. بينما يدير الجنرالات المعركة على أساس أنها جاءت لخدمة نتنياهو بشكل شخصي حتى يتهرب من المحاكمة في لوائح الاتهام بالفساد.

فشل كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، زعيم تكتل «الليكود» وغريمه الجنرال بيني غانتس، زعيم «تحالف «أزرق – أبيض» في تشكيل حكومة بسبب نتائج الانتخابات الأخيرة، التي منحت معسكر الوسط يسار والعرب 58 مقعداً، ومعسكر اليمين 55 مقعداً، وجعلت من حزب اليهود الروس برئاسة أفيغدور ليبرمان لسان الميزان (حصل على 8 مقاعد).
لقد كان بمقدور ليبرمان، أن يحسم لصالح أحد المعسكرين ويتوجه في قيادة الحكم. إلا أنه اتخذ قراراً استراتيجياً في التخلص من نتنياهو، بسبب خلافات شخصية ورغبة في الانتقام. واتخذ قراراً استراتيجياً آخر بألا يدعم غانتس إلا إذا أخرج النواب العرب من حساباته الائتلافية. فالتحريض الذي أداره اليمين المتطرف بقيادة «المايسترو» نتنياهو ضد إشراك العرب فعل فعله. وارتدع عنه حتى غانتس، بعدما كان الأخير قد رسم خطة متكاملة، يشكّل بموجبها حكومة مؤقتة تستند إلى العرب، ثم تتسع لتضم أحزاباً أخرى من اليمين والمتدينين. ويكشف مسؤولون مقرّبون من غانتس، عن أنه ينوي التركيز في المعركة القادمة على رفع عدد مقاعده من 33 إلى 40 مقعداً، غير أن الاستطلاعات تشير إلى أن أي زيادة يحققها حاليا ستأتي على حساب معسكره.
نتنياهو من جهته، بنى جسماً مانعاً ضد اليسار من جميع أعضاء معسكره. وعندما شعر بأن اتحاد اليمين ينوي التفاوض مع غانتس، منح أحد قادته، نفتالي بينيت، منصب وزير الدفاع. وهو يسعى لتجديد هذا التكتل كجسم واحد. لكنه يدرك هو الآخر أن أي زيادة يحققها ستأتيه من معسكر اليمين. لذلك؛ خرج اتحاد اليمين من الآن بموقف يحذّر فيه نتنياهو من السعي لجرف الأصوات من جمهور المستوطنين. وحسب نفتالي بينيت، سيجد نفسه في حِل من كتلة اليمين إذا اقترب نتنياهو من مصوتيه في المستوطنات. فمن أين يأتي بزيادة المقاعد؟
إن كلا الحزبين الأكبرين يسعى لجلب الأصوات من الآخر، وهذه مهمة ليست سهلة.

الفساد... وجمهور نتنياهو

غانتس يعتقد بأن تركيز دعايته على موضوع الفساد هو الحل. لكن جمهور اليمين المؤيد لنتنياهو لا يجد مشكلة في هذا الفساد. فهو مجنّد بقوة ضد النيابة وجهازي الشرطة والقضاء. ولديه أساس متين من الشكوك حول هذه الأجهزة. وعلى الرغم من أن هناك قناعة بأن لوائح الاتهام ضد نتنياهو تعتمد على أدلة ثابتة، فإنه يعتبرها «موبوءة فعلاً، وتتسم بالغطرسة والغرور، وهناك شكوك كثيرة في نزاهتها».
ومع ذلك، فإن نتنياهو يأخذ في حساباته خطر أن تؤثر الدعاية ضده هذه المرة، خصوصاً بعدما بدأت تتسرب وثائق من ملفات التحقيق تظهر ليس فقط أن نتنياهو غارق في الفساد، بل إن هذا الفساد يتسم بأساليب رخيصة ومخزية. وكمثال، يقال إنه كأن يحصل على صابون حلاقة من أحد جيرانه، ويطلب منه أن يرسله إليه من قيسارية (على الساحل بين حيفا وتل أبيب) وحتى البيت في القدس في أحد أيام السبت، أو أنه يحمل حقائب كثيرة مليئة بالملابس في كل زيارة للخارج، حتى يتم غسلها وكيّها في الفنادق على حساب الدولة، ويوفر بذلك بضع مئات وربما عشرات من الدولارات.
من هنا، فإن نتنياهو يخطط لجعل المعركة الانتخابية تدور حول قضايا أخرى. فيرفع من شأن موضوع التهديد الإيراني. ويبرز علاقاته مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مع أن هذا يبتعد عنه في الآونة الأخيرة. ثم إنه يتحدث عن التحديات الأمنية والاقتصادية الكبيرة، التي توجب وحدة وطنية بين الحزبين الأكبرين. وهناك من يشير إلى أن نتنياهو يمكن أن يحدث انعطافاً في المعركة الانتخابية نحو توجيه ضربة عسكرية، مع العلم بأن الجيش يصد مثل هذه المحاولات حتى الآن. ومثل هذا «السيناريو» قائم في التاريخ الإسرائيلي، حيث إن الدولة العبرية معروفة بتصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج.
وحقاُ، يلاحظ أن نتنياهو أكثر قلقاً في هذه المرة عن سابقاتها؛ لأن هناك أكثر من تطور في غير صالحه. فقد بدأ يتصدع معسكر اليمين من حوله. ففي 26 ديسمبر (كانون الأول) الحالي سيدخل في تنافس مع خصمه من داخل الليكود، جدعون ساعر، وهذه هي أول مرة يخوض تنافساً على رئاسة الحزب والحكومة منذ عشر سنوات. ومع أن الاستطلاعات تعطيه نتائج مشجعة حالياً؛ إذ يتقدم بنسبة 60 في المائة مقابل 40 في المائة على ساعر، فإن هناك تنامياً في تأييد ساعر، وخصوصاً في صفوف قيادات الصفين الثاني والثالث، مثل رؤساء البلديات وقادة النقابات.

تحدي ساعر

ويبني ساعر حملته ضد نتنياهو بالقول، إن عند نتنياهو رصيداً كبيراً من العطاء، لكنه اليوم أصبح عبئاً ويدير حملة انتخابية بالألاعيب. ويضيف أنه «طالما يقود نتنياهو الليكود لن تكون غالبية لليمين في الكنيست وسنخسر المعركة لليسار». ويتابع: «توجد جماهير بأكملها مستعدة لتأييد الليكود برئاستي، وهذه جماهير لا يصل نتنياهو إليها. ولذلك؛ لا شك لدي بأننا كمعسكر قومي سنوسع قاعدتنا إذا حدث تغيير في القيادة. ووصلنا إلى مرحلة تستوجب تحولاً وأملاً جديداً آخر».
ويتفشى موقف ساعر ويؤثر في أوساط أخرى في اليمين. فخرج البروفسور اريه الداد، وهو وزير سابق في حكومات الليكود، بدعوة حزب الليكود إلى إطاحة نتنياهو لأنه لم يعد قادراً على حماية حكم اليمين. ويقول، في مقال له نشرته صحيفة «معريب» في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي: «نتنياهو قائد فذ. لديه رصيد غني في السياسة الخارجية والأمنية والاقتصادية. وأنا لست مقتنعاً بالاتهامات ضده. لكنه اليوم لم يعد قادراً على ضمان حكم اليمين. هناك خطر حقيقي في أن نخسر الحكم. لذلك؛ يجب أن يتنحى ويتفرغ لإثبات براءته أمام المحكمة ويترك لنا شؤون البلاد».
وإذا تغلب نتنياهو على ساعر ولم تحصل مفاجأة، سيتفرغ نتنياهو لمعالجة طلب من الكنيست منحه حصانة برلمانية. وحالياً لديه فرصة حقيقية للتهرب من المحاكمة أشهراً عدة إذا فاز برئاسة الليكود. وفي حال فاز في الانتخابات القادمة، فإنه سيجمّد هذه المحاكمة عن طريق هذه الحصانة، خاصة أن حلفاءه يساندونه في هذا التوجه. ويوجد بينهم زعيمان لحزبين متورطان مثله في قضايا فساد، هما يعقوب ليتسمان، رئيس «يهدوت هتوراة» لليهود الغربيين المتدينين، ورئيس حزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين.
وعليه، يخطط نتنياهو، وفقاً لهذا السيناريو؛ لأن تؤجل المحاكمة حتى نهاية الدورة القادمة. فإما يستطيع إنهاك النيابة، فتقرر التخلص من المعضلة عن طريق صفقة، تتيح إغلاق الملفات مقابل اعتزال العمل السياسي، أو تجعله يبدأ المحكمة بعد أربع سنوات يكون فيها رئيس حكومة ويصل إلى المحكمة وهو مسنّ، يبلغ من العمر 74 سنة. ويكون هناك رئيس دولة من اختياره، حيث إن الرئيس الحالي روفين ريفلين سينهي مهمته بعد سنة وسبعة أشهر. ورئيس الكنيست الحالي من الليكود يولي إيدلشتاين، هو أقوى المرشحين، فيمنحه العفو بسرعة. وهناك من يمارس الضغوط من الآن على ريفلين نفسه كي يصدر عفواً عن نتنياهو مقابل الاعتزال.

خطر تكرار المشهد

لكن السيناريو الذي يخشاه الجميع في إسرائيل، اليوم، باستثناء نتنياهو، هو أن تكرار المشهد الحالي، أي أن تسفر الانتخابات عن نتائج مماثلة للنتائج الحالية. وبالتالي، تستمر الأزمة السياسية بضعة أشهر أخرى، وتنتهي إلى فشل جديد في تشكيل حكومة. فيدفع بالبلاد إلى انتخابات رابعة. وهذا هو خوف حقيقي يتحدث عنه الإسرائيليون بصوت عال... ويعتبرونه مصيبة سياسية.
لهذا كله؛ فإن مهمة بيني غانتس تعتبر تاريخية للتخلص من نتنياهو ومباذل حكمه وشخصانية حكمه. وهو يحتاج إلى إحداث تغيير جدي وجوهري في إدارة معركته الانتخابية، حتى يسحب الأصوات من معسكر اليمين.
هذه مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة. ففي الانتخابات الأخيرة خسر الليكود ما لا يقل عن 300 ألف صوت. إذ دخل الانتخابات وهو يرأس كتلة برلمانية تضم 39 نائباً (الليكود 35 وحزب «كلنا» برئاسة وزير المالية موشيه كحلون 4 مقاعد)، ومعه حزب جديد يدعى «موريشت» بقيادة موشيه فغلين، الذي أقنعه نتنياهو بأن ينسحب من المعركة ويدعو الناس إلى التصويت لليكود مقابل قطع وعد له بأن يعينه وزيراً... وتقدر قوته بمقعدين اثنين. وهكذا يكون نتنياهو خاض المعركة بـ41 مقعداً. غير أنه في النتيجة النهائية حصل على 32 مقعداً فقط، أي أنه خسر 9 مقاعد، أي نحو 300 ألف صوت أقل من الانتخابات في أبريل (نيسان) الماضي. في المقابل، كان الجمهور سخياً مع غانتس. فمع أن تكتل الأحزاب الذي يقوده أسس قبل عشرة أشهر فقط، وغانتس نفسه شخصية باردة بعيدة عن الكاريزماتية، فقد حصل على أكبر عدد من الأصوات وأدخل 33 نائباً إلى الكنيست. وهكذا، إذا غيّر من خطابه وجعله أكثر حرارة، ووضع برنامجاً بديلاً شجاعاً ومقنعاً، واشتغل بشكل حقيقي على رفع نسبة التصويت - خصوصاً في الوسط اليهودي المعادي لليمين - الذي يقبل على الاقتراع بنسبة 40 و50 في المائة فقط، سيكون بإمكانه تحصيل أصوات أخرى تجعله قادراً على تشكيل حكومة ويحقق مرماه في التخلص من نتنياهو.