طلب الحبيب الجملي، رئيس الحكومة المكلف، من الرئيس التونسي قيس سعيد تمديد المهلة الدستورية المخصصة لتشكيل الحكومة لشهر آخر، مؤكداً أنه «في حاجة لمهلة إضافية»، حتى إن لم تلح في الأفق علامات تؤكد أنه سينجح في مهمته خلال الشهر الإضافي المنشود. وبحلول يوم غد (الأحد)، سيكون الجملي قد قضى شهراً كاملاً في التشاور والتفاوض مع مختلف الأطراف السياسية والشخصيات الوطنية، وعدد من الخبراء من تونس وخارجها، لكن أمله في جمع الأفرقاء، وتشكيل حكومة تحظى بدعم سياسي واسع، تبخر بإعلان حزبي التيار الديمقراطي (يسار) وحركة الشعب (قومي) عن انسحابهما من المفاوضات المؤدية إلى تشكيل الائتلاف الحاكم الذي تتزعمه حركة النهضة (إسلامي)، وهذا ما جعل الجملي لا يجازف بإعلان أي تشكيلة حكومية، سواء حكومة كفاءات أو حكومة مصغرة، وذلك دون ضمان أكبر عدد من أصوات نواب البرلمان لصالحه. ومع بداية المهلة الجديدة (مدتها شهر واحد ينتهي منتصف شهر يناير المقبل)، يبقى السؤال الجوهري الذي يطرحه جل التونسيين: لماذا فشل الجملي في هندسة التشكيلة الحكومية؟ وهل الخلل يكمن في القيادات السياسية الباحثة عن تموقع سياسي دون التفكير في مصلحة الوطن أم أن الجملي نفسه بات جزءاً من المشكل، بالنظر إلى أنه عمد إلى توسيع المشاورات لتشمل كل الأطياف السياسية، حتى تلك التي لا وزن لها على المستوى السياسي، مما جعله يتوه في زحمة الجلسات، على حد قول بعض المتابعين للشأن السياسي المحلي؟
لكن المشكلة بدأت قبل ذلك بعدة أسابيع. فقد عبر أكثر من طرف سياسي واجتماعي (اتحاد الشغل) عن تحفظه على ترشيح الجملي من قبل حركة النهضة، الفائزة في الانتخابات البرلمانية، وشكك في استقلالية قراره عن «النهضة»، وقدرته على جمع الأضداد حول مشروع سياسي متكامل، خصوصاً أن ترشيحه جاء من قبل حركة النهضة التي لا تحظى بقبول سياسي من قبل عدد كبير من الأفرقاء السياسيين.
ويبدو أن فشل رئيس الحكومة المكلف، بحسب عدد من المحللين السياسيين، راجع إلى عدة أسباب: أولها حصول معظم الأحزاب الممثلة في البرلمان على عدد ضعيف من المقاعد البرلمانية، مقارنة بانتخابات 2014، حيث حصلت حركة النهضة، الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، على 52 مقعداً برلمانياً، علماً بأنها مطالبة ببلوغ 109 أصوات للحصول على الأغلبية المطلقة التي تخول المصادقة على الحكومة. غير أن الجملي نفسه يطمح في تجاوز هذه الأغلبية، وتحقيق أكثر من 150 صوتاً من إجمالي 217 مقعداً في البرلمان التونسي.
وبالمقارنة مع انتخابات 2014، فقد حصلت النهضة على 69 مقعداً برلمانياً، فيما حصل حليفها السياسي (حزب النداء) على 86 مقعداً، مما مكنهما معاً من بلوغ 135 صوتاً داخل البرلمان، كما تمكنا عبر «سياسة التوافق» بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي من خلق أرضية تعايش سياسي.
وبعد الإعلان عن نتائج انتخابات 2019، وقبيل انطلاق المشاورات التي بدأها الجملي، حاولت «النهضة» التحاور مع الأحزاب السياسية القريبة من توجهاتها السياسية والآيديولوجية، غير أن تلك الأحزاب وضعت سلسلة من الشروط التعجيزية التي لا يمكن أن توافق عليها الحركة، خصوصاً بالنسبة للتيار الديمقراطي الذي يتزعمه محمد عبو، والذي تمسك بالحصول على 3 حقائب وزارية (الداخلية والعدل والإصلاح الإداري). أما حركة الشعب التي كان مرشحة للمشاركة في الائتلاف الحاكم، فقد حاولت القفز على نتائج انتخابات 2019، بالمرور مباشرة إلى «حكومة الرئيس»، أي أن الرئيس يعين رئيس حكومة، عوضاً عن الترشيح الذي يقدمه الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية، وهو ما رفضته حركة النهضة بشدة. وعلاوة على ذلك، فإن بقية الأحزاب التي كان من الممكن أن تشارك في الائتلاف الحاكم رفعت «اللاءات» منذ البداية ضد حزب «قلب تونس» (38 مقعداً برلمانياً) بسبب شبهة الفساد التي تلاحق رئيسه نبيل القروي، وهو ما جعل هذا الحزب مستبعداً من قبل جل الأحزاب السياسية.
أما الحزب الدستوري الحر (17 مقعداً برلمانياً)، الذي تتزعمه عبير موسي القيادية السابقة في حزب التجمع، فيعد «مستبعداً»، خصوصاً من قبل حركة النهضة، بسبب ماضيه السياسي المرتبط بحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل (حزب بن علي)، كما أن خطابه الرافض لبعض الأحزاب ذات النفس الثوري، مثل «التيار الديمقراطي»، يجعل إمكانية التعايش السياسي معه صعبة، إن لم تكن مستحيلة، بحسب مراقبين.
وبخصوص التوقعات المستقبلية التي قد تطبع المشهد السياسي المقبل، قال زهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب، لـ«الشرق الأوسط» إن عجز الحبيب الجملي عن تشكيل الحكومة «يخفي وراءه مسؤولية حركة النهضة عن النتائج السلبية التي عرفتها خلال فترة حكمها مع شركائها السياسيين منذ سنة 2011»، مبرزاً أن ذلك يهدر الوقت على التونسيين الذين «انتظروا طوال شهر كامل لمعرفة مصير الحكومة المقبلة»، وأن مقترح «حركة الشعب» يظل هو «الحل الأمثل»، على حد تعبيره.
وكانت بعض التسريبات الأولية قد توقعت أن يعين الرئيس قيس سعيد «الشخصية الأقدر» على تشكيل حكومة جديدة، في حال الإقرار بالفشل في تشكيل حكومة بعد مرور شهرين متتاليين، مشيرة إلى إمكانية العودة إلى يوسف الشاهد، رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية، الذي يواصل عمل الحكومة ويدشن المشاريع ويعين المسؤولين في الحكومة خلال هذه الفترة الزمنية، بما ينبئ بأنه معني بمواصلة رئاسة الحكومة حتى الرمق الأخير.
وكان قيس سعيد قد حمله (الشاهد) بعض الرسائل السياسية إلى كل من الجزائر وفرنسا، إثر إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية في الدور الثاني أمام نبيل القروي، وهو ما رجح هذه التوقعات بقوة.
8:17 دقيقة
لماذا فشل الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة التونسية الجديدة؟
https://aawsat.com/home/article/2035066/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%81%D8%B4%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D9%84%D9%81-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9%D8%9F
لماذا فشل الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة التونسية الجديدة؟
الجملي طلب مهلة شهر إضافي دون وجود ضمانات حقيقية تؤكد أنه سينجح في مهمته
- تونس: المنجي السعيداني
- تونس: المنجي السعيداني
لماذا فشل الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة التونسية الجديدة؟
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة