خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الناقد والمؤلف

اشتهر في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى السبعينات الناقد الإنجليزي كينث تاينن. كان له عموده الخاص المتخصص في المسرح في صحيفة «الأوبزرفر» الأسبوعية. وكنا في أيام الشباب نتساقط أخباره ونتطلع باهتمام إلى مقالته التي كانت تعبّر عن أفكارنا الشبابية واليسارية. أتذكر من كلماته الخالدة قوله إن الناقد هو الشخص الذي يعرف الطريق ويدل السائق عليه ولكنه في الوقت عينه لا يستطيع هو قيادة السيارة!
كانت كلمة ظريفة منه، كمعظم ما كان ينساب من قلمه. والطريف في الأمر أن الكلمة انطبقت عليه. كانوا يقولون: إذا كنت يا كينث تاينن تعرف كل ذلك عن المسرح وما يجب أن تكون عليه المسرحية، فلماذا لا تقدم وتكتب أنت مسرحية؟ استجاب في الأخير لهذا التحدي وألّف مسرحية وقدمها على أحد مسارح لندن. ولكنها كانت مسرحية فاشلة اعتمدت على عري الأجسام والخلاعة. رأيتها مرة واحدة قبل أفولها ورحيلها عن دنيا المسرح. النقد شيء والتأليف شيء آخر، علماً بأن خلاعاته جرّت البعض إلى اتهامه بشيء من الشذوذ الجنسي.
ويظهر أن هذا الكاتب فشل على المسرح لأنه لم ينتمِ إلى السلالة المسرحية الأصيلة في بريطانيا، وأعني بها السلالة الآيرلندية. فمعظم جهابذة المسرح في بريطانيا تحدروا من آيرلندا، ضموا بين صفوفهم ويليام غونغريف، وبرنارد شو، وأوسكار وايلد وشريدان. شذ عن هذه السلالة بالطبع سيد المسرح الإنجليزي من دون منازع، ويليام شكسبير الذي لم تطأ قدماه جزيرة آيرلندا.
بيد أن مقالات كينث تاينن النقدية جذبتني لتلك الصحيفة التي كان يكتب فيها، وأعني بها صحيفة «الأوبزرفر»، وما زلت مواظباً على قراءتها وأفتقد فيها الآن اسمه. فقد توفاه الله قبل سنوات.
بيد أن الكثير من كلماته بصدد المسرح خلدت في ذهني. كان منها قوله إن المسرحية الموسيقية الجيدة هي التي تجعلك لا تخرج من المسرح إلا وأنت تصفر أو تهمهم وتتمتم ببعض أغانيها وألحانها. هذا في الواقع ما لمسته عند خروجي من مسرحية موسيقية جيدة فأجد الزبائن يهمهمون ويتمتمون بألحانها وأغانيها. هكذا وجدت القوم يفعلون ذلك عند خروجهم من مسرحية «سيدتي الحلوة» (ماي فير ليدي)، النسخة الموسيقية الرائعة لمسرحية برنارد شو «بيغماليون».
ولكنّ ناقداً مسرحياً آخر قال إنه خرج من مسرحية سويني تود وهو يهمهم بروائع ما ضمّته المسرحية من المناظر المدهشة والخلابة! وهذا صحيح، فمناظر المسرحيات كثيراً ما تدغدغ مشاعر المشاهدين. ويظهر أن هذا ما حصل للمخرج العراقي جعفر السعدي عندما كان يعلق المناظر التي رسمتها قبل سنوات في بغداد لمسرحية «في سبيل التاج». ما إن رآها حتى فقد توازنه وسقط إلى الأرض وكُسرت ذراعه، رحمه الله! ضحية من ضحايا المسرح.