خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

معضلة اللوحات الخطية

من المعتاد في الغرب أن يزين الملوك والرؤساء مكاتبهم وصالوناتهم بلوحات تصويرية. ولكنهم في الدول الإسلامية اعتادوا على تزيين مكاتبهم بلوحات من الخط العربي تحمل آيات من الذكر الحكيم أو الأحاديث الشريفة أو الحكميات الشعرية. هذا في الواقع شيء نحن معتادون عليه حتى في بيوتنا ودكاكيننا. وأصبح ميزة تميز المجتمع الإسلامي، وتعطي فن الخط هذه المكانة الخاصة في تراثنا.
جرى مثل ذلك في العراق في العهد الملكي، حيث زين الأمير عبد الإله، الوصي على العرش، مكتبه في البلاط الملكي بلوحتين من التراث الإسلامي الرفيع.
حدث أن دخل الشيخ عبد الواحد الحاج سكر، لزيارة الأمير عبد الإله. وكان الشيخ من قادة الثورة العراقية والوطنيين المتنورين والساعين لتطور العراق. وآمن بالكثير من أفكار الحياة الديمقراطية كمعظم رجالات تلك الأيام، على اختلاف مشاربهم وتصوراتهم. نظر الشيخ فرأى اللوحتين، فالتفت إلى مدير الديوان الملكي، الأستاذ عبد الرزاق الهلالي. وقال له: «أستاذ الهلالي، هاي ليش معلقين هاللوحتين. ما عندكم شيء آخر؟».
فسأله عبد الرزاق الهلالي: «إذا عندك شيء آخر تقترحه نشوف له مكان». فأجابه الشيخ عبد الواحد: «ئي نعم. حطوا لوحة تقول: (أمركم شورى بينكم)». فابتسم مدير الديوان الملكي وقال له: «الله وإيدك أبو راهي. ما دمت انت رايح تقابل سيدنا الوصي، بإمكانك أن تقترح عليه هذا».
ولكن شيخ عشيرة الفتلة لم يشأ أن يزج بنفسه في هذا المعترك، فأجاب الهلالي وقال له: «يا بويه، آني شنو بالطلبة اخشش روحي فيها»!
بيد أن الهلالي لم يفوت الفرصة، فعندما اصطحبه ليقدمه إلى الوصي، ذكر له أن الشيخ عنده فكرة عظيمة يريد أن يطرحها عليك. غير أن الهلالي لم يذكر في مذكراته ما إذا كان الشيخ عبد الواحد قد استغل الفرصة فعلاً، وطرح اقتراحه.
حدث مثل ذلك في مجلس الوزراء، حيث كان نوري السعيد قد علق في مكتبه لوحة تقول: «اتق شر من أحسنت إليه». وزاره شيخ آخر من الشيوخ المتنورين والمثقفين في العراق، وهو الشيخ فريق المزهر من شيوخ آل فتلة أيضاً. وله مساهمات فكرية وأدبية. كان منها كتابه عن الثورة العراقية.
أجلسوه في الصالون انتظاراً لزيارة رئيس الوزراء. لاحظ أثناء جلوسه هذه اللوحة «اتق شر من أحسنت إليه». دخل نوري السعيد فوجده غارقاً في التأمل، فسأله عن اللوحة، فقال: «لو تشيلها أحسن، فهي تدل على أنك لا تعرف لمن تحسن إليه». فسأله نوري السعيد عما يقترحه، فأجابه قائلاً: «نعم. ضع: لم يخنك الأمين ولكنك ائتمنت الخائن».
لم يعمل نوري السعيد بنصيحة الشيخ. والطريف أن كلتا الفكرتين كانتا فألاً سيئاً. فبعد قليل انقلب عليه الضباط الذين أحسن إليهم، وائتمنهم، وقتلوه في انقلاب 1958.