لا يمكن القول إن دخولنا إلى عام 2020 يمثل انتقالاً موضوعياً في قطاع الإعلام العالمي، أو يشكل عتبة تفصل بين وضعين ماديين متباينين؛ إذ تفاعلت المؤثرات المتصلة بالقطاع ضمن معطيات متشابهة على مدى نحو خمس سنوات خلت. ومع ذلك، فإن العام المقبل يمتلك سمتاً خاصاً إزاء صناعة الإعلام؛ وهو سمت لا يُحبذ تناوله من باب الرصد والتحليل، لكثرة ما أُهرق من حبر في هذا الصدد، ولكن الجدوى قد تكمن في معالجته من منطلق ما يطرحه من تحديات؛ إذ تشكل تلك الأخيرة جوهر ما ستعيشه الصناعة على مدى الشهور الـ12 المقبلة، وما بعدها بطبيعة الحال.
يصعب جداً إيراد جملة ما طرحته بيوت الخبرة، ومراكز البحوث المتخصصة، من تحديات تواجه قطاع الإعلام في 2020 في تلك المساحة المحدودة، لذا، فسيتم إجمال تلك التحديات في أربعة، اتضح أنها الأكثر تكراراً ضمن المقاربات التي سعت إلى قراءة استشرافية للقطاع.
يتمثل التحدي الأول الذي تواجهه صناعة الإعلام في 2020 في «المعلومات»، وبشكل أكثر وضوحاً: القدرة على جمع أكبر قدر من المعلومات الدقيقة ذات الصلة، وتصنيفها، وتحليلها، بما ييسر للمنظمات الإعلامية اتخاذ القرارات السليمة التي تكفل لها البقاء والنمو وتحقيق الأهداف.
ويمكن ضرب كثير الأمثلة على أهمية المعلومات في إطار الصناعة؛ ومنها تحويل هيئات بث كبيرة تركيزها الاستراتيجي إلى البث عبر «الويب»، عندما وجدت أن نتائج الاستطلاعات تؤكد ارتفاع نسب مشاهدة التلفزيون على الشبكة إلى 69 في المائة بين البالغين.
مثل آخر يمكن أن يطرحه هذا السؤال، بما يوضح خطورة تحدي المعلومات: إذا حصلت شركة إنتاج وتوزيع على نتيجة استطلاع جاد في أوساط جمهورها المستهدف، تفيد بأن 44 في المائة من المستطلعة آراؤهم يفضلون تجربة مشاهدة المنتجات من دون إعلانات، في مقابل 29 في المائة يشاهدون المحتوى المخلوط بالإعلان عبر المواقع المجانية مثل «يوتيوب»، فما الخطوة التي يجب أن تتخذها تلك الشركة؟
التحدي الثاني الذي يواجهه القطاع يتعلق بمبدأ «الحصرية». لقد نشأ اتجاه واضح خلال السنوات الثلاث الفائتة بين شركات الإنتاج الكبرى، نحو عرض منتجاتها على منصاتها فقط، عوضاً عن الاتجاه الذي ظل سائداً لأكثر من عقد، والذي لجأت فيه الشركات الكبرى إلى منصات توزيع، لكي تعرض أعمالها عبرها، مستفيدة من نطاق بث أوسع، وأسعار اشتراكات أقل، ضمن مكتبات المحتوى.
لقد وجدت تلك الشركات أن توزيع أعمالها عبر المنصات المجمعة لا يعوضها بعوائد مناسبة، كما أنه يفقدها ميزة تسويقية، ويخصم من قدراتها على التمركز في وسط الصناعة، وترجمة نجاحاتها الإنتاجية في عوائد على علاماتها التجارية (Brands)؛ خصوصاً مع خلط قطاعات من الجمهور بين منصة التوزيع وبين الشركة المنتجة. ومع ذلك، فإن اقتصار عرض هذه الشركات منتجاتها على منصاتها الخاصة فقط قد يدفعها إلى رفع قيمة الاشتراكات، أو إلى عرض مزيد من الإعلانات، وهو الأمر الذي يجسد تحدي الحصرية، ويفتح الباب أمام مزيد من خطط الدمج والاستحواذ، لمواجهة هذا التحدي.
أما التحدي الثالث الذي يواجه صناعة الإعلام في العام المقبل، فيتعلق بـ«الموثوقية». لقد ظل مصطلح «الأخبار الزائفة» (Fake News) مهيمناً على القطاع منذ عام 2016، والأخطر من ذلك أنه انتقل ليصبح بنداً أساسياً ضمن المقاربات السياسية والأمنية والاجتماعية بشكل عام، بعدما ظهر أن تأثيره بالغ وعميق في مختلف المجالات.
بالنسبة إلى المنظمات الإعلامية التي تعمل في صناعة الأخبار، سيكون لزاماً عليها أن تؤسس لممارسات تحد من سيل الأخبار الزائفة، وتوفر وسائل لمقاومتها وتصحيحها، كما يجب أن تطلق جهوداً وتخصص موارد مناسبة لضمان حد أدنى من الدقة في تغطياتها ومنتجاتها الخبرية. وبسبب طبيعة عملية جمع الأخبار (News Gathering)، وضغوط المنافسة، وانفلاتات «السوشيال ميديا»، ستزيد خطورة هذا التحدي، وستتضاعف صعوبة تجاوزه. ويكمن التحدي الرابع في مدى القدرة على صيانة مبدأ «الخصوصية»، في ظل أنماط استخدام واستهلاك إعلامية مرتبطة بالبيانات الشخصية من جانب، وفي ظل تحول تلك البيانات إلى سلعة في حد ذاتها يمكن أن تجلب أرباحاً مادية وعينية ضخمة من جانب آخر.
لقد زاد الطلب على مبدأ «الخصوصية»، بموازاة فضائح واختراقات بخصوص انتهاكها، وهو أمر سيمثل مرتكزاً في خطط تسويق عدد من التطبيقات والمنتجات الإعلامية لتلبية هذا الطلب.
«المعلومات»، و«الحصرية»، و«الموثوقية»، و«الخصوصية»، أربعة تحديات رئيسة تفرض نفسها على قطاع الإعلام، بشقيه «التقليدي» و«الجديد»، في 2020، وتمثل مناط تنافس بين الصُّناع، وعناصر طلب بين المستخدمين، بما يؤطر ممارسات الصناعة في العام الجديد، ويرسم بعض أهم ملامحها.
8:17 دقيقة
أربعة تحديات تواجه إعلام 2020
https://aawsat.com/home/article/2057706/%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87-%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-2020
أربعة تحديات تواجه إعلام 2020
أربعة تحديات تواجه إعلام 2020
مواضيع
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة