خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

أسى الفراق

مفارقة الأصدقاء والأحباء وما يخلّفه ذلك من أسى وحنين من أكثر المواضيع شيوعاً بين الشعراء. وله نماذج وأمثلة كثيرة، كان منها ما أورده الأستاذ علي مروة في كتابه «روائع الأدب الفكاهي العاملي». يروي فيقول إن مثل هذه الصداقة الإخوانية توطدت بين الشاعر والأديب اللبناني محمد الحسن مكي وزميله السيد نور الدين فحص. امتدت رفقتهما إلى أيام الصبا والدراسة في مدرسة واحدة ثم نشوئهما معاً في جبل عامل، إلى أن اضطرت متطلبات الحياة وكسب الرزق السيد نور الدين إلى الانتقال من مسقط رأسه إلى إحدى قرى النبطية.
لم تمضِ غير أشهر قليلة حتى افتقده صاحبه فاعتلجت الذكريات وعواطف الشوق والحنين في قلبه وتفتّقت عن أشعار بعث بها إلى صديقه. كان منها هذه المقطوعة التالية يقول فيها:
غادرت روض العلم لما أينعت
أثماره وزهت كأزهار الربى
وهجرتنا لم ترع عهد ودادنا
ومضيت عنا معرضاً متجنبا
أنسيت منتزه الجزائر والظبا
تخذت بهاتيك المسارح ملعبا
* * *
خلّفت قلبك حائماً حول الحمى
وذهبت والآمال قد طارت هبا
فاسلم عليك تحية من صاحب
يصبو لذكرك كلما هب الصبا
حمل البريد قصيدة محمد الحسن إلى زميله نور الدين فحص الذي لم يتمالك غير أن يجيب عليها بأبيات من مثلها، تفيض محبة ووداداً وإخلاصاً، وكله بذات الوزن والقافية، على نهج القصائد الإخوانية، فقال:
هيّجت وجدي يا محمد عندما
ذكّرتني عهد الجزائر والربى
ما كان ظني أن تصعد زفرتي
بعد القنوط من المنازل والضبا
إني على عهد الإخاء مثابر
وغرار عزمي في المحبة ما نبا
غادرت روض العلم أهوى ربعه
لكن دهري لم ينلني المأربا!