مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

حفظ الله المحروسة من التسرع

قرأت مذكرات الدكتور مصطفى الحفناوي عن خلفيات تأميم الرئيس عبد الناصر قناة السويس عام 1956، والدكتور مصطفى هو الذي صاغ خطاب التأميم الذي ألقاه الرئيس.
ويكشف الحفناوي في مذكراته عن أن كثيرين من رجال السياسة في مصر لم يكونوا حريصين على استرجاع القناة، ومنهم سعد زغلول الذي قدم مشروع مد الامتياز، كما تحدث الحفناوي عن مواقف الملك فاروق في القضية وبعض وزرائه، ومنهم علي ماهر، وامتدح هذه المواقف لأنها لم تكن موالية لشركة قناة السويس؛ بل كانت على عكس ذلك تماماً تسعى لاسترجاع القناة، لكن أحداً من هؤلاء لم يذهب إلى حد التفكير ولو للحظة واحدة في تأميمها، وكانوا فقط يفكرون في التجهيز لما يجب عمله فور انتهاء أجَل الامتياز في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1968. وهو يثني أيضاً على مواقف محددة لحكومة الوفد ومصطفى النحاس، وأكد ذلك فيما بعد وزير المالية والداخلية عام 1951 – انتهى.
وتبرير عبد الناصر للتأميم، أنه يريد أن يبني السد العالي، وأن البنك الدولي رفض التمويل، مع أن الواقع يقول خلاف ذلك، فقد وافقت كل من أميركا وإنجلترا والبنك الدولي على التمويل على أن تلتزم مصر بالشروط التالية:
1 - أن تتعهد بعدم إبرام أي اتفاقات مالية أو الحصول على أي قروض دون موافقة البنك الدولي. 2 - أحقية البنك الدولي في مراجعة ميزانية مصر، حتى لا يحدث تضخم. 3 - أن تتعهد مصر بتركيز تنميتها على مشروع السد العالي وتخصيص ثلث دخلها لمدة 10 سنوات لهذا الغرض.
وذلك لكي يضمنوا حقوقهم، خصوصاً البنك الدولي.
غير أن عبد الناصر تسرع، وفي ليلة ليلاء أعلن في حشد جماهيري تأميم القناة، التي لم يبقَ على أن تتسلمها مصر (باردة مبرّدة) إلا 12 سنة فقط لا غير، وذلك بعد أن انتظرت 78 سنة، والمضحك أنه بعد التأميم وتداعيات الحروب ظلت قناة السويس معطلة أكثر من 8 سنوات.
سؤالي هو: أيهما أقوى ماو تسي تونغ والصين، أم عبد الناصر ومصر؟! الجواب معروف.
وللمعلومية: فماو تسي تونغ تحلّى بالصبر وضبط الأعصاب 31 سنة كاملة، وهي فترة حكمه، ولم يتورط بضم هونغ كونغ ليضرب عرض الحائط بالاتفاق مع بريطانيا وهو من ألد ألد أعدائها.
وبعد أن انتهت الاتفاقية عادت هونغ كونغ إلى حضن أمها الصين من دون (طبل ولا زمر) على طبق من ذهب عام 1997.
التسرع بتأميم قناة السويس، تبعه التسرع بحرب 1967، وهي التي أودت بمصر بمشكلات ما زالت تدفع أثمانها حتى الآن.
حفظ الله مصر المحروسة من كل تسرع.