قبل عامين تقريباً تحولت بلدة كيمنتس في شرق ألمانيا إلى محط أنظار العالم بعد أن خرجت فيها أعنف مظاهرات لليمين المتطرف ضد اللاجئين. لم تكن المظاهرات وحدها السبب في تسليط الأضواء حينها على تلك المدينة التي حملت اسم «كارل ماركس» بعد الحرب العالمية الثانية وأيام الحكم الشيوعي في ألمانيا، بل المطاردات أيضاً التي حصلت فيها ونفذها أنصار النازيين الجدد بحق شبان لاجئين؛ لأن «لون بشرتهم داكن».
ولأسابيع طويلة بقيت كيمنتس في دائرة الضوء بسبب استمرار المظاهرات ضد اللاجئين. وحتى أنها تسببت بطرد مدير المخابرات الداخلية يورغ ماسن بسبب ما اعتبر أنه «تضامن» منه مع النازيين إثر تشكيكه في حقيقة شريط يظهر رجالاً حليقي الرأس وأجسادهم مليئة بأوشام، يطاردون لاجئين وهم يشتمونهم. واليوم عادت المدينة لتتسبب في جدل جديد هذه المرة بسبب ظهور مقلد لهتلر فيها علناً. ولم يكن فقط ظهور الرجل بلباس عسكري وبشارب القائد النازي الشهير وتمشيطة شعره هو ما أثار الجدل، بل ردة فعل الشرطة عليه. فقد انتشر شريط فيديو يظهر رجل شرطة داخل سيارته يقف بالقرب من مقلد هتلر الذي كان يركب دراجة نارية، ويصوره بهاتف محمول وهو يبتسم، إلى جانب عدد كبير من المارة الذين تجمعوا وهم يضحكون. الشريط أثار استياءً كبيراً فور انتشاره، ودفع بالشرطة في مدينة كيمنتس إلى الإعلان عن أنها ستستجوب الشرطي الذي كان يبتسم، وتقرر ما إذا كانت هناك خطوات تأديبية يجب أن تتخذها بحقه.
كما أنها فتحت تحقيقاً بحق الرجل الذي ظهر وهو يقلد هتلر لترى ما إذا كان قد خرق أي قوانين. ولا يعتبر في ألمانيا جرماً تقليد هتلر باللباس والشكل، لكن تمنع استخدام إشارات النازية ويحاسب عليها القانون بالغرامة والحبس. وبحسب متحدث باسم الشرطة، فإن هذه الخطوات جاءت لأن «مقلد هتلر» شكل «إزعاجاً للأمن العام والنظام»، مضيفاً: «ما كان متوقعاً من زميلنا في الشرطة أن يوقف (مقلد هتلر) من دون تردد».
ودخل السجال رئيس حكومة ولاية ساكسونيا التي تضم مدينة كيمنتس، مايكل كريتشمر الذي ينتمي إلى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم، أبعد من ذلك عندما قال إن ظهور «قاتل جماعي أكثر من قلة ذوق». وذهب عمدة أوغسطسبيرغ حيث وقع الحادث، أبعد من ذلك، واعتبر ما حدث «غير مقبول»، مضيفاً أن «هذه الصور تنتمي إلى كومة قمامة التاريخ». ورأى العمدة أن مكان وقوع الحادث يزيد استحالة قبوله؛ كونه كان يضم معسكر اعتقال للنازيين ومراكز رسمية لهم.
واللافت أن الرجل معروف لدى الشرطة، وقد ظهر في مناسبة في السابق يرتدي كذلك بدلة هتلر. وقبل أيام من هذه الحادثة شهدت مدينة ميونيخ حادثة أخرى شبيهة، حيث شوهد مقلد لهتلر وهو يتمشى في شوارع المدينة متجهاً للمشاركة بتجمع لليمين المتطرف، حيث أراد إلقاء خطبة. إلا أن الشرطة اعتقلته قبل ذلك.
الانتقادات الكبيرة التي وجهها سياسيون للشرطة في تعاملها مع مقلد هتلر، تأتي في وقت تتزايد فيها المخاوف من «عنف» اليمين المتطرف في أنحاء ألمانيا. فبعد اغتيال عمدة مدينة هيسن الصيف الماضية على يد يميني متطرف بسبب تأييد السياسي فالتر لوبكه للاجئين، استمرت التهديدات من اليمين المتطرف للسياسيين من أصول أجنبية أو أولئك الذين يؤيدون سياسة لينة تجاه اللاجئين.
حتى أن عمدة مدينة في ولاية نورث راين فستفاليا تقدم بطلب الحصول على ترخيص لحمل سلاح، بعد تلقيه الكثير من التهديدات من اليمين المتطرف. ورغم رفض طلبه حمل السلاح، فإن قصته سلطت الضوء على الخوف الذي ينشره أنصار اليمين المتطرف في ألمانيا في وسط معارضيهم. وطالبت رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني، أنيجريت كرامب - كارنباور، الدولة بتوفير الحماية الكافية للساسة المحليين المهددين على نحو متزايد للتعرض لاعتداءات، رافضة في المقابل تسليحهم. وقالت كرامب - كارنباور، التي تشغل أيضاً منصب وزيرة الدفاع، في تصريحات لصحف مجموعة «فونكه» الألمانية الإعلامية الصادرة أمس (الثلاثاء): «تسليح الساسة المحليين ليس هو الطريق السليمة... حمايتهم مهمة تتحملها الدولة. عندما يتعرض ساسة للخطر، يتعين أن يحصلوا على إجراءات حماية مناسبة من الدولة. هذه الحماية لا ينبغي أن تتوقف على ما إذا كان السياسي يعمل على المستوى الاتحادي أو الولايات أو المحليات». شنت السلطات الألمانية حملات مداهمات وتفتيش في ولايات عدة للاشتباه في الإعداد لجريمة تشكل خطراً على أمن الدولة. وأعلن الادعاء العام في برلين صباح أمس على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أن الحملات شملت ولايات برلين وبراندنبورج وشمال الراين - ويستفاليا وتورينجن.
وتزايدت الاعتداءات على السياسيين والعاملين في المجال العام مؤخراً من قبل اليمين المتطرف، وبحسب تقرير لصحيفة «فيلت أم زونتاغ»، تبين أن الشرطة سجلت ما يزيد على الـ1200 اعتداء في العام الماضي على سياسيين وعاملين في المجال العام، العدد الأكبر منها سجل في ولاية ساكسونيا التي تضم مدينة كيمنتس وتعد معقلاً لليمين المتطرف. وبدأت هذه التهديدات تنعكس على حضور الكثير من السياسيين في مواقع التواصل الاجتماعي، فأعلن عدد من السياسيين مغادرة هذه المواقع خوفاً على «معلوماتهم الشخصية».
8:17 دقيقة
بلدة كارل ماركس الألمانية تعود إلى واجهة الأحداث اليمينية
https://aawsat.com/home/article/2083136/%D8%A8%D9%84%D8%AF%D8%A9-%D9%83%D8%A7%D8%B1%D9%84-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9
بلدة كارل ماركس الألمانية تعود إلى واجهة الأحداث اليمينية
رئيسة حزب ميركل تدعو إلى حماية الساسة المهددين بدلاً من تسليحهم
- برلين: راغدة بهنام
- برلين: راغدة بهنام
بلدة كارل ماركس الألمانية تعود إلى واجهة الأحداث اليمينية
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة