د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

فلسطين بين إسراطين و«صفقة القرن»!

صفعة أو «صفقة القرن» أو خطة «السلام» - سمّها ما شئت - والتي أعدها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، قائلاً إنها ستحل القضية الفلسطينية، التي تعاقب عليها عشرات الرؤساء الأميركان من دون حل أو تقدم قيد أنملة، جاءت صفعة أو صفقة يتم الترويج لها بالصراخ بينما من يقرأ تفاصيلها يدرك العكس، فالشيطان يكمن في التفاصيل.
الصفقة أو الرؤية الأميركية للحل لا يمكن القبول بها بشكلها ونصها الحالي حتى من شخص ساذج، وليس من شعب الجبارين الذي حمل كفنه على ظهره عشرات السنين ويعلق مفتاح بيته في رقبته، قدّم قوافل من الضحايا والجرحى والسجناء.
«صفقة القرن» لم تراعِ الحد الأدنى للمطالب والحقوق الفلسطينية، بل وتشرعن لـ«يهودية إسرائيل» بالمجان، بينما تؤجل قيام الدولة الفلسطينية أربع سنوات أخرى مقبلة.
هذه الصفقة وصفتها صحيفة «الغارديان» البريطانية بالاحتيال؛ إذ قالت إن «خطة ترمب للسلام احتيال وليست صفقة»، وقد رفضتها أيضاً الجامعة العربية في اجتماع لوزراء خارجيتها مع الرئيس محمود عباس، الذي رفض الصفقة قبل أن يجف حبرها ووصفها بـ«الهراء»، بينما وصفتها الجامعة العربية بأنها لا تلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني وطموحاته.
صفقة ترمب تنص على استمرار السيطرة الإسرائيلية على معظم الضفة الغربية، وضم الكتل الاستيطانية الضخمة في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل وبقاء مدينة القدس موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية، بينما سيكون للدولة الفلسطينية عاصمة تحمل اسم القدس في أي مكان آخر، لكن لا علاقة له بمدينة القدس، أي قدس بلا قدس!
صفقة ترمب ترفض أي عودة للاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل وإسقاط أي مطالب مستقبلية بالتعويض، وتقترح بدل عودتهم توطينهم في بلدان المهجر، بينما تقر بحق اليهود بالعودة إلى إسرائيل.
القضية الفلسطينية المرحّلة عبر السنين تاجر بمأساتها الكثيرون عرباً وعجماً أميركيين وأوروبيين ليس آخرهم «السلطان التركي»، الذي يستمر في متاجرته حتى أصبح من كبار السماسرة بعد إفلاسه سياسياً حتى في بلاده.
ولعل العقيد القذافي، الذي كانت القدس كلمة سر انقلابه العسكري في سبتمبر (أيلول) عام 1969، وكان قد استدعى الأمين العام للجامعة العربية أثناء انعقاد قمة عربية في مدينة سرت الليبية طالباً منه حذف كلمة إسرائيل من بيان قمة سرت ووضع جملة (العدو الصهيوني) مكانها وإلا فسوف يرفع الجلسة حتى من دون صدور بيان ختامي لهذه القمة.
كما كان القذافي هو صاحب مشروع «إسراطين»، أي الحل بالمناصفة في الجغرافيا وحتى في اسم الدولة نصف كلمة إسرائيل ونصفها فلسطين، فاسم إسراطين هو مقترح القذافي قدمه في الكتاب الأبيض لحل المشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية بدمج الدولتين في دولة واحدة.
بغض النظر عن الموقف من القذافي لدى البعض، إلا أن رؤية القذافي للقضية الفلسطينية، في رأيي، كانت أكثر نضجاً وواقعية وأقرب تماساً مع الحقوق الفلسطينية، على العكس من «صفقة القرن» التي تجاهلت الحقوق الفلسطينية لحساب الإسرائيلية؛ مما جعلها أقرب لعدم الجدية في الحل.
القضية الفلسطينية هي قضية شعب مهجّر من أرضه، وإحلال شعب آخر محله جمع من الشتات، ولم تكن الإدارات الأميركية المتعاقبة يوماً شريكاً في إيجاد حل منصف للفلسطينيين، فحتى اتفاق «غزة وأريحا»، وهو الرؤية التي قدمها الرئيس الأميركي بيل كلينتون، كان هو الآخر غير عادل، وبالتالي لا يمكن انتظار الحل المنصف والعادل للقضية الفلسطينية ممن يؤمن بدولة «إسرائيل الكبرى».