خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

سراق السيارات وسراق الحمير

نحن في هذا الزمان نشكو من مشاكل سرقة السيارات. وعلى هامشها، أقام عباقرة الأعمال والصناعة شتى المعامل والشركات لصنع المعدات المانعة لسرقة السيارات من أقفال وضبارات ومنبهات ومزعقات وصفارات، وكلها بأسعار باهظة، حتى بدا لي أن اللصوص في سرقة السيارات إنما هم ليسوا حرامية سيارات، بل هم شركاء في صنع الأجهزة المانعة لهذه السرقات. كم كان السلف صالحاً حتى في سرقة الدواب. لم يفكروا في أقفال وضبارات وصفارات لردع سارق الدابة. تركوا الأمر لمروءة الحرامية.
بيد أن الأستاذ عثمان لبيب، المعلم والمفتش في وزارة المعارف المصرية في زمن ما قبل السيارات، اعتاد على الذهاب لمدارس القاهرة على صهوة حمار متواضع. هكذا شأن المعلمين دائماً. المديرون والرؤساء كانوا يركبون الجياد المطهمة، والمعلم يركب الحمار، إن استطاع. وإلا فليس له غير ركوب قدميه. الأستاذ عثمان لبيب كان لبيباً فاشترى حماراً. ما لبث اللصوص حتى سرقوه منه بينما كان مشغولاً في تدريس أولادهم في غرفة الدروس. بلغ الخبر صديقه الشاعر محمود سلامة، صاحب جريدة «الواعظ»، فحاول أن يخفف من مصاب زميله ويعزيه في فقد حماره بمرثاة طويلة للحمار المسروق. أقتطف منها هذه الأبيات بمطلعها المشرق هذا:
قف بسوق الحمير وانظر ملياً
هل ترى أدهماً أغر المحيا؟
خلسته يد اللصوص صباحاً
موكفاً، ملجماً، معداً مهيا
فخلا اصطبله وأصبح قاعاً
صفصفاً خاوي العروش خليا
كان يا حسرتاه عليه صبوراً
قانع النفس راضياً مرضيا
كم ليالٍ على الطوى قد طواها
حامداً شاكراً ولم يشكُ شيا
لا لفقر وضيق عيش ولكن
كان في الزهد راغباً وتقيا
ليت شعري أين الأمان وهذا
جحش عثمان قد عدمناه حيا
كان عوناً له إذا رام ظعناً
وخليلاً لدى المقام صفيا
كان إن قلت «هش» أجابك طوعاً
وإذا قلت «حا» انتضى سمهريا
لك العزاء عثمان أما
سالبوه فسوف يلقون عيا!