خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

المجالس الأدبية

طالما سمعنا عن صالونات أدبية وفنونية في شتى بلداننا العربية وغير العربية. كان منها صالون الخميس الأول لانعقاده في أول خميس من كل شهر في التسعينات.
وفي لندن كانت هناك لقاءات «العروة الوثقى» في الستينات. الشيء الذي يغيب عن الذهن أن ظاهرة الصالونات الفكرية ليست بجديدة في تاريخنا العربي، وإن كنا نسميها بالصالونات اعتقاداً منا بأننا استوحيناها من الغرب، وبصورة خاصة من فرنسا.
شاع هذا النوع من اللقاءات الثقافية والأدبية في حواضر العالم العربي بصورة خاصة في القرن الرابع الهجري ببغداد. فكثرت مجالس الأنس والطرب التي دأب الشعراء والأدباء على ارتيادها ووصفها وذكر وقائعها وأشعارها في كتبهم.
كان من هذه المجالس الأدبية الشهيرة مجلس الصاحب بن عباد. وكان ممن ترددوا على مجلسه الشاعر أبو الفضل بن شعيب. بيد أن هذا الرجل انقطع لحين من الزمن عن أصحابه، فافتقده الصاحب بن عباد، صاحب المجلس، فبعث إليه غلامه محملاً برسالة ضمنها هذه الأبيات الشعرية الإخوانية:
يا أبا الفضل لم تأخرت عنا
فأسأنا بحسن عهدك ظنا
كم تمنت نفسي صديقاً صدوقاً
فإذا أنت ذلك المتمنى
فبغصن الشباب لما تثنى
وبعهد الصبا وإن بان عنا
كن جوابي إذا قرأت كتابي
لا تقل للرسول كان وكنا
وكان من هذه المجالس الأدبية أيضاً مجلس أبو الفتح البستي. عقد ذات يوم مجلساً خاصاً دعا إليه أحد أصدقائه بأبيات أعطتنا فكرة عما كان يجري في هذه المجالس من كلام ونشاط حيث قال:
عندي، فديتك، سادة أحرار
وقلوبهم شوقاً إليك حرار
وشرابنا شرب العلوم وروضنا
نزه الحديث ونقلنا الأشعار
فأمن علينا بالبدار فإنما
أعمار أوقات السرور قصار
كان من نجوم الصاحب بن عباد، بديع الزمان الهمذاني، الذي خرجت منه ريح أثناء الجلسة، فخجل وانقطع عنه، فافتقده الصاحب وبعث إليه معاتباً:
قل للبديعي لا تذهب على خجل
من ضرطة أشبهت بابًا على عود
فإنها الريح لا تستطع تمسكها
إذ لست أنت سليمان بن داود!