مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الفضائح

حصل مواطن أميركي من ولاية فرجينيا الأميركية على نصف مليون دولار تعويضاً له، بعدما سجل جواله سخرية الأطباء منه أثناء خضوعه لعملية جراحية...
ما أن قرأت هذا الخبر، حتى قفزت وقلت بصوت مرتفع لا تسمعه سوى أذني: يا ليتني قرأت هذا الخبر، قبل أن أجري العملية الوحيدة في حياتي - وإن شاء الله تكون الأخيرة - وإذا كان لا بد فإنني أتمنى أن تكون قبل موتي بيوم واحد، وأنتقل للدار الآخرة وأنا مبنّج و(فاغر الفهشة)، وعلى محياي ابتسامة ساخرة من الدنيا وما فيها.
وقبل العملية سألني الدكتور: هل تريد أن نبنجك موضعياً أم شاملاً، فقلت له بدون تردد: أريد البنج الشامل، فقال لي: إذن عد من واحد إلى عشرة، فبدأت أعد: واحد، اثنين، ثم حلّقت في عالم آخر، ولم أستطع إكمال العدد.
أعود لموضوع الخبر الذي قرأته وأقول: يا ليتني أدخلت تليفوني الجوال معي وتركته يسجل كلامهم وهم يجرون لي العملية، لأنني أجزم بأنهم كانوا يتباسطون و(يتتريقون) عليّ، لكي تكون لدي حجّة دامغة، عندما أرفع قضية عليهم.
ولا أنسى ضحكات الدكتور والممرضة (الهبلة) التي حقنتني بإبرة المخدّر، عندما أفقت وهما يبشرانني بنجاح العملية، والآن فقط عرفت سبب ضحكاتهم، أكيد سمعوني وأنا (أهذري) وأكشف صفحتي السوداء الممتلئة بالفضائح، التي لا تطهرني منها ولا حتى مياه نهر الأمازون.
ولكن دعوني أترك فضائحي على جنب، وأدخل في فضائح عامة و(اسمعوا وعوا):
أنا - وأعوذ بالله ألف مرّة من كلمة أنا - ومع ذلك أقول: أنا لا تسطحني أكثر من المبالغات (بالأرقام)، عندما يتلفظ بها بعض الناس وكأنها حقيقة لا يخر منها الماء.
وقد أعذر هؤلاء الناس، لأن كلامهم مثلما يقال: ما عليه (جمرك)، ولكن أن تكون المبالغة بالأرقام تكتب بالخط العريض وفي الصحفة الأولى بإحدى الجرائد المعتبرة، هنا الطامة الكبرى، وأريدكم لو سمحتم أن تقرأوا معي هذا الخبر المنشور الذي جاء فيه:
300 مليار ريال، لتمويل 6.5 مليار وحدة سكنية في المملكة (!!!).
تخيلوا أن هذا الخبر يتحدث عن ستة مليارات وخمسمائة مليون وحدة سكنية - أي أن تلك الوحدات من الممكن تستوعب (تقريباً) عدد سكان الكرة الأرضية -، خصوصاً إذا عرفنا أن عدد سكان الكرة الأرضية يزيدون قليلاً على سبعة مليارات إنسان.
والكارثة المركبّة أن تلك الجريدة، لم تصحح أو تعتذر في اليوم التالي عن هذا الخبر الفضيحة، بل إنها تركته وكأن شيئاً لم يكن.
يا شيب عينك يا أبو المشاعل.