زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

كاريكاتير القط الذي يخدم فأراً

ما زلنا نحاول أن نوضح للقارئ أن المصريين القدماء لم يكونوا ملتزمين بالمناظر العامة التي تخص الحياة في العالم الآخر أو الحياة المثلى التي يتمناها الشخص بعد الموت، لذلك فقد كانت كل المناظر متشابهة، وهي عبارة عن موضوعات يحددها الكهنة وتقدم للفنان لكي يرسمها داخل المقابر، ولكن عثر على مجموعات من الرسومات الهزلية أو الكاريكاتيرية التي قد تعبر عن الفكاهة أو عن رؤية الفنان للأوضاع الملتوية في المجتمع، ولدينا منظر آخر من عصر الرعامسة أي يعود إلى ثلاثة آلاف عام وموجود حالياً بمتحف بروكلين في مدينة نيويورك، والمنظر يظهر قطاً يخدم فأراً وقد يظهر هذا الشكل، النبيل أو الموظف الذي يجلس على كرسيه ويظهر ذلك على مقابر الدولة الحديثة ويحضر إحدى الحفلات ويخدمه بنات يقدمن له الطعام والشراب والزهور.
وهنا في هذا المنظر نرى أن الفنان قد غير في الأوضاع بالمجتمع فرسم هنا القط واقفاً على قدميه وهو يخدم فأراً ويمسك في يده قطعة من قماش الكتان وفي اليد الأخرى مروحة وطائر مذبوح وعلى الجانب الآخر نرى الفأر جالساً على مقعد فخم ويلبس ملابس النبلاء ويمسك في يده كأس حسنة الشراب وفي يديه اليسري نراه يمسك بوردة يقربها من فمه، ولذلك نرى الفنان هنا يشير إلى أن القط - وهو المعروف بأنه القوي الذي يقتل الفئران - خادماً ذليلاً يعمل تحت إمرته. وقد يشير ذلك إلى ما يراه الفنان من انقلاب الأوضاع.
ولدينا منظر كاريكاتير آخر يوضح ضبعاً خائفاً وهو مرسوم على شقفة صغيرة من الحجر الجيري ويعود إلى الدولة الحديثة وقد عثر عليه داخل منازل عمال بدير المدينة وهم العمال الذين رسموا وحفروا مقابر الملوك في الدولة الحديثة وتركوا لنا العديد من الشقافات التي توضح أحوالهم الاجتماعية بل وموضوعات عن علاقاتهم اليومية وعن القضايا التي كانت تقام بينهم، بالإضافة إلى معلومات عن حياتهم الشخصية.
أما هذا المنظر الفريد الذي تركه لنا فنان في الدولة الحديثة فقد أظهر على وجه الضبع الخوف وهذا يظهر براعة الفنان في ذلك الوقت، وهنا قد أراد ان يعبر لنا عن الجبن والخوف بصورة مرئية، لذلك فقد صور هذا الحيوان وهو يتبرز فجأة من شدة الخوف الذي اعتراه عندما شاهد حيواناً أكثر منه قوة وقد يكون هذا الحيوان مرسوماً أمامه ولكن الشقافة مكسورة ولا تظهر هذا الحيوان ويعتقد أن الجانب الآخر من الرسم قد يكون يشكل رأس حيوان فقط ولذلك قد يكون الفنان هنا رسم هذا المنظر لمجرد أن يكون رؤية ساخرة من جانب الفنان لهذا الحيوان وهو في مثل هذا الوضع الساخر. وهذا المنظر موجود في القاهرة بالمعهد الفرنسي للآثار بالمنيرة.