عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

«كورونا» والأكاذيب التي تهدد حياتنا

أمران أثارا الرعب في نفسي خلال متابعتي على مدى شهور مع معظم البشرية لجائحة «كورونا» (كوفيد- 19) وما فعلته بعالمنا: الأول عندما شاهدت على قناة «سكاي نيوز» البريطانية تقريراً مصوراً من داخل غرف العناية الفائقة في مستشفى إيطالي يعالج مرضى مصابين بالفيروس. كانوا مستلقين على الأسِرَّة بلا حراك، عيونهم شاخصة، يتنفسون بصعوبة بالغة من خلال أجهزة التنفس الصناعي. غالبيتهم لم يكن يتوقع لهم أن يتمكنوا من الصمود حسب رأي الأطباء المرهقين من طوفان المرضى الذين أسقطهم الفيروس. فكل مصاب يحتاج للبقاء مربوطاً بجهاز التنفس لما لا يقل عن 11 إلى 21 يوماً؛ بينما يقول الأطباء إنه كلما طالت فترة الربط بجهاز التنفس الصناعي، تفاقم الضرر على الرئتين اللتين تتعرضان لهجوم مدمر من الفيروس، وتتراجع بالتالي فرص التعافي والحياة.
كانت تلك أقوى وأبلغ رسالة بصرية وسمعية عن خطر فيروس «كورونا» الجديد الذي كان كثيرون يستخفون به، ويقللون من مخاطره، ويقارنونه بإنفلونزا عادية، متجاهلين كل تحذيرات الحكومات والعلماء وجهات الاختصاص. صحيح أن غالبية الناس بدأوا يدركون مخاطر هذه السلالة من الفيروس الذي يهاجم الجهاز التنفسي، إلا أن هناك من بقوا رافضين للاقتناع بخطورته البالغة، إما جهلاً، وإما عناداً، وإما انقياداً وراء بعض التصورات الموهومة.
الأمر الآخر المرعب كان رؤية وقراءة سيل من التحليلات والاجتهادات والموضوعات غير الموثقة؛ بل والمضللة، وكذلك الأخبار المفبركة عن «كورونا»، والعلاجات الوهمية، وسبل الوقاية غير المدروسة التي قادت بعض الناس إلى حتفهم. وسائل التواصل الاجتماعي امتلأت بمثل هذه الموضوعات التي وجد بعضها طريقه إلى صحف وإذاعات، وحتى تلفزيونات، قبل أن يسحب، أو يصحح، أو يدفن تحت طوفان الأخبار المتسارعة عن الفيروس الذي هز العالم.
بعض الشائعات والأخبار المفبركة قد لا يكون خطراً في حد ذاته؛ لكن كثيراً منها يحدث أضراراً كبيرة، ويضلل الناس ويقودهم إلى أفكار خاطئة تخلق تعقيدات، وأحياناً تؤدي إلى نتائج تهدد حياة الناس. الشهر الماضي مات رجل في ولاية أريزونا الأميركية وأنقذت زوجته، بعد شربهما لمحلول يستخدم في تنظيف أحواض السمك، يحتوي على مادة فوسفات الكلوروكين، إثر سماعهما عن تجارب تجرى على عقار بهذا الاسم، بهدف استخدامه للوقاية والعلاج من «كوفيد- 19». ومعروف عن دواء كلوروكين أنه كان يستخدم على نطاق واسع وبفاعلية لعلاج الملاريا؛ لكنه أوقف في كثير من الدول؛ لأن الطفيليات المسببة للملاريا أصبحت لديها مناعة ضده. وقد أسهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ترويج الكلام عن عقار كلوروكين، عندما قال الشهر الماضي إن تجارب واعدة وجدت أنه علاج فعال لمرضى فيروس «كوفيد- 19». وأضاف أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية أجازت العقار للاستخدام، وهو ما سارعت الإدارة إلى نفيه، مشيرة إلى أن العقار يحتاج إلى تجارب لإثبات فعاليته أولاً في الاستخدام ضد «كورونا» الجديد.
الواقع أن الخبراء والجهات ذات الاختصاص والمنظمات الدولية المعنية يشيرون إلى عدم وجود عقار حتى الآن للوقاية أو لعلاج «كوفيد- 19»، على الرغم من التجارب الحثيثة في عدد من الدول، من بينها الصين وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والاختبارات التي بدأت على متطوعين للتوصل إلى مصل.
هناك فيديوهات وتسجيلات وكتابات يصعب عدها وحصرها لكثرتها، تتحدث عن أشياء مختلفة للوقاية أو لعلاج أو لقتل فيروس «كوفيد- 19» مثل شرب ماء الثوم، والغرغرة بالماء الدافئ مع الملح والخل، وشرب الشاي من دون سكر، أو أكل الفول على سبيل المثال لا الحصر. كل هذه الأشياء لا إثبات علمياً لها، وهي وإن كانت خالية من الضرر كمأكولات أو مشروبات، فإن الخطورة فيما تسببه أحياناً من إرباك للناس بإيهامهم أن هناك وقاية، مما قد يدفعهم للتهاون في أخذ الاحتياطات من هذا الفيروس الفتاك.
من المعلومات التي جرى تداولها ولا يوجد أي سند أو دليل علمي عليها، أن الأفارقة لديهم وقاية من «كورونا» الجديد، وأن الشمس تقتل الفيروس. فالواقع أنه لا توجد حصانة موثقة علمياً للأفارقة، كما أنه -وفقاً لمنظمة الصحة العالمية في تقريرها بتاريخ 25 مارس (آذار) الماضي تم تسجيل 1716 إصابة موثقة، و30 حالة وفاة بفيروس «كوفيد- 19»، في 38 بلداً أفريقياً، وإذا أضفنا مصر والسودان وليبيا تكون الإصابات مسجلة في 41 بلداً، كما يرتفع بذلك عدد المصابين والوفيات. وتحذر المنظمة من مغبة التراخي، وينضم إليها عدد من الخبراء والمختصين الذين يرون أن عدم وجود فحص للناس على أي نطاق يذكر في أفريقيا قد يخفي عدداً كبيراً من الإصابات. ويشدد هؤلاء على أنه لا توجد مناعة أفريقية ضد «كوفيد- 19»، وأن الدول الحارة ليست محصنة ضد الأمراض الموسمية الشتوية، مثل نزلات البرد التي تحدث حتى في الصيف أحياناً، وبالتالي لا يمكن القول بأنها محصنة ضد «كورونا».
من الموضوعات الأخرى التي أثارت جدلاً، وحذر المختصون من خطورتها على أساس أنها تنشر اطمئناناً زائفاً يدفع إلى عدم الالتزام الصارم بتعليمات الوقاية، كانت تلك المتعلقة بالكلام عن أن الشباب لا يموتون بفيروس «كوفيد- 19» حتى لو أصيبوا به، وأن الأطفال دون سن العاشرة لا يصابون به. صحيح أن معظم ضحايا الفيروس كانوا من كبار السن أو من لديهم أمراض معينة، وهذا مفهوم بالنسبة لكل من لديهم نقص في المناعة بسبب السن أو المرض؛ لكن الفيروس أصاب أيضاً عدداً كبيراً من الناس دون سن الخمسين، كما سجلت وفيات بين شباب، مثل الصبية البلجيكية البالغة من العمر 12 عاماً، أو الصينية البالغة من العمر 14 عاماً، أو الوفيات التي أعلنت الأسبوع الماضي في بريطانيا لثلاثة شباب تتراوح أعمارهم بين 13 و19 سنة.
بالنسبة للأطفال، فقد أعلن في ولاية إلينوي الأميركية الشهر الماضي، عن وفاة طفل رضيع بالفيروس، كما مات طفل عمره عشرة أشهر في الصين، بينما سجلت 171 إصابة بين الأطفال في ووهان خلال شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، وفقاً لدراسة صينية. وفي مارس الماضي أعلنت بريطانيا عن إصابة رضيع بالفيروس، وقد تكون هناك أيضاً إصابات في دول أخرى لم يرصدها هذا المقال.
الشباب الأصحاء مناعتهم أقوى بلا شك من كبار السن؛ لكن هذا لا يعني أنهم لا يصابون أو يموتون بهذا الفيروس. أما الأطفال فإن نسبة الإصابة بينهم أقل؛ ربما لأنهم أقل تعرضاً للظروف التي يصاب فيها الكبار. فقد أشارت دراسة أوردتها الشهر الماضي مجلة «نيو ساينستيست»، ومقرها لندن، إلى أن نسبة إصابة الأطفال في عينة من نحو 44 ألف مصاب بالفيروس كانت 1 في المائة. ولا يوجد تفسير واضح لانخفاض نسبة الإصابات؛ لكن العلماء يرجحون أن طريقة عمل الجهاز المناعي الذي يكون في طور النمو عند الأطفال ربما تساعد على وقايتهم؛ خصوصاً من المضاعفات المسببة للوفاة عند الكبار في حال التعرض للفيروس.
المختصون يحذرون من أي تقصير في حماية الأطفال، أو تهاون من الشباب في حماية أنفسهم من «كوفيد- 19» الذي أثبت أنه لا يعرف فوارق عمرية، أو إثنية، أو جغرافية.
هناك كثير مما ينشر يثير القلق خوفاً من أن يدفع الناس للتهاون، أو يضللهم بالحديث عن أساليب للوقاية أو للعلاج غير علمية، ولا يوجد أي دليل يثبت صحتها أو فعاليتها ضد فيروس جديد لا يزال يحير ويشغل العلماء والأطباء والحكومات. ولمواجهة خطر تداول مثل هذه الأشياء هناك مسؤولية على كل إنسان؛ لأن إرسال أو إعادة تداول أي رسالة لا يعفيك من المسؤولية عنها، على أساس أنك لست كاتبها بل نقلتها فقط. استخدم عقلك لتقييم أي موضوع ومدى مصداقيته، وحاول التأكد من المعلومة قبل إعادة المشاركة، ولا تعِد إرسال وتداول أي شيء إذا لم تكن مقتنعاً بمحتواه وواثقاً منه. أنت مسؤول عما ترسله، وفي مثل هذه الظروف فإن المعلومات الخاطئة قد تساهم في إلحاق الضرر بكثيرين، أو في تعويق جهود الوقاية من الفيروس... أو تتسبب في موت أبرياء.