سارة ربيع
TT

سنحاربهم بالغناء..

يقول أعظم عباقرة الموسيقى لودفيغ فان بيتهوفن "الموسيقى وحي يعلو على كل الحكم والفلسفات، وتقول التجربة إن الموسيقي تعلو على كل الأزمات والتفاصيل المهلكة، تصل الشعوب ببعضها البعض بلغة روحية بالغة الشفافية تخترق الحواجز والمعابر الإسمنتية التي تفرضها الحروب والمآسي التي نعيشها في وقتنا الحالي.
تحمل الصدفة لي دائما مفاتيح جديدة من التجربة ، تفتح لي مجالا جديداً لم أره من قبل ، ربما مررت عليه بسرعة وأنا ألهث وراء إنهاء مهامي ومسؤولياتي العملية والأسرية؛ ففي مساء يوم عادي إيقاعه بطيء، صادفت مشاهدة برنامج "ذا فويس كيدز" الذي يعرض على قنوات شبكة "ام بي سي"، أذهلتني تلك المواهب الرائعة من أطفال صغار ذوي حناجر وإحساس تخطى مرحلة الطفولة بطائرة مكوكية.
المثير للإعجاب والتأمل هو المواهب السورية والعراقية، أطفال الحرب وقسوة الإنسانية التي تأكل من خارطة مستقبلهم وحاضرهم كل يوم ما يملأ أمعاء العالم اللامبالي بهم، هؤلاء الذين عاصروا مع عائلتهم اختبارات مرعبة من الهروب من بلدتهم الصغيرة خوفاً من القتل والتعذيب أو الوقوع في قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي.
في احدى الحلقات، تقف الطفلة العراقية ميرنا حنا تغني موال "البارحة بالحلم" لتخطف الحواس بفستانها الوردي، وصوتها الرخيم القوى، الذي لا تصدق أنها فقط تحمل من العمر 11 عاما، تحكي ميرنا أن عائلتها فرت من العراق إلي لبنان بعد أن هددهم تنظيم داعش بخطفها، وكيف كانت تقضى الليالي تخشي النوم، وتخاف الظلام والوحدة.
ثم يظهر طفل آخر بريء جدا ذو ملامح ملائكية، للوهلة الأولى تظن أن صوتاً كارتونياً سوف يخرج من حنجرته، إلا أن عبد الرحيم
الحلبي ذا الشعر البني المرتب الأنيق، اختار أن يشدو بأغنية "يا ما حل الفسحة" من التراث السوري، ليقول للعالم انه مازال هنا ، وان العالم العربي ما زال به من المواهب التي تولد وتناضل لتعيش في أجواء من الخوف والحرب، لا يقهرها الظلام الإرهابي.
وغيرهم من الأمثلة الكثيرون، الذين يقدسون حب الحياة بفطرة نقية لا تعي الحسابات السياسية والاقتصادية.
في كل سهرة ليلة السبت، أشعر بالأمل والحب، ورغبة ملحة نحو الحماس بحقنا كعالم عربي في الحياة، وكيف أننا نعشق الموسيقي والثقافة والأدب، وكيف ان ينابيع المواهب والتميز العربية لم تجف بعد.
ننشغل في دوائر حياتنا المرهقة التعيسة، لكننا نحمل بداخل أروحنا ما حفرته الموسيقي الكونية لنحارب تلك الأفكار المؤذية على فطرتنا الإنسانية.