سارة ربيع
TT

كابتن «ميم» وقفص الخبز

في صباح اليوم ووسط زحام قاهري يتكرر بالتفصيل كل يوم ، تعبر الطريق أمامي سيدة في الخمسين من عمرها تحمل "قفص" من الخبز الطازج ، تشد بيديها علي يد طفلتها الصغيرة ويد أخرى تثبت القفص أعلي رأسها ، في قدرة عالية من الاتزان والمهارة تغلب بها لاعبي الجمباز الدوليين ، تعبر الطريق ويبتلعها الزحام وتتركني أرهن عضلات عنقي .. هل أستطيع أن أتحمل همومها ومسؤوليتها مثلها؟
تلك السيدة المصرية البسيطة التي "تجري على لقمة العيش" لا تعلم أن الثامن من مارس(آذار) من كل عام تحتفل بها الأمم المتحدة وتعتبره يوما للنضال في سبيل حقوق المرأة ، لكنها تخرج إلى العالم يوميا في حركات روتينية تحمل همها فوق أكتافها كطفل صغير تتدلى قدماه على صدر أمه ليركل فيها طوال الطريق من باب الدلع والمحبة، فتتحمله ولا تشكو.
تقول الإحصائيات أن نسبة المرأة المعيلة للأسر في مصر تبلغ 18.7% ، ولكن تلك الصور اليومية من الحياة التي تعمل بها المرأة خارج المنزل وتعود لتعمل بداخله مرة أخرى، على مختلف المستويات التعليمية والمعيشية ، كلها تدور حول نفس الدائرة المحكمة من المهام والواجبات ، الملفت للنظر هنا ، هو طاقات الدعم والمساندة التي يقدمنها لبعضهن البعض بشكل مباشر وكثيرا بشكل غير مباشر ، قد تقرأ هذا في تجارب ومواقف على وسائل التواصل الاجتماعي أو تمر بتجربة أو بآخرى في حياتك اليومية.
ومن قصص الدعم التي قد تبدو بسيطة ، السيدة ميم ، جمعتني بها الصدفة مرة بعربة السيدات بمترو الإنفاق ، كانت تقف في منتصف العربة تشرح تدريبات بسيطة لتدافع بها الفتاة عن نفسها إذا ما تعرضت لأي تحرش، ثم نادتها ابنتها العشرينية كابتن "ميم" ، هكذا اسم شهرتها كمدربة ملاكمة بأحد مراكز الشباب بجنوب القاهرة.
تدفعك كابتن "ميم" ـلـ"الحكي والحواديت" ، تشتبك مع احد الباعة الجائليين الذي يرفض النزول من عربة السيدات أثناء شرحها التدريبات ، تهدده بإنذار شفهي "هتتضرب بلاش بلاش" ، فيهرب الشاب من أمامها.
تضحك وتحكي أنها يوماً ما كانت متأخرة عن معادها ، فـاستقلت عربة مترو عادية ( رجال وسيدات معاً) وما أن وقفت قليلا حتى وجدت رجلا يدوس على قدميها بقوة ، فنهرته فلم يرد عليها ، ثم صاحت فيه" يا أستاذ أنت دايس على رجلي حاسب "
الرجل يرد بعصبية مستنكرا لماذا لم تستقل عربة السيدات ، كابتن" ميم" تقلد الرجل لتصبح إسماعيل ياسين في نسخة ترتدي حجابا وزيا رياضيا ، وتكمل قصتها بأنها اشتبكت معه في الحديث إلي أن شتمها وهنا شمرت عن ذراعيها واستعدت لمباراة قتالية في بث مباشر حي من قلب مترو الأنفاق ، فما أن تفوهت أنها بطلة ملاكمة وهتقطعه حتى هدأ الرجل وتراجع وسط محاولة الجمهور الفصل بينهما وغادر المترو حين توقف في أول محطة.
تنهي القصة ويضحك الجميع من حولها ، يغمرونها بالشكر والثناء على اهتمامها ورغبتها في تقديم المساعدة ، وطاقة الحرص والبهجة التي نشرتها في المكان من حولنا.
كابتن "ميم" مثال بسيط عن الجدعنة المصرية، وبنت البلد التي قد تتناولها الدراما بشكل مبالغ فيه، لكنها هنا دائما..تجدها حولك كصديقة وزميلة عمل وزوجة ومحبة وأم تهبك الحياة من قلبها وأخت وابنة تعشق والدها وتكتب له كل ليلة حتى بعد وفاته بأكثر من 25 عاما.