شهود في محكمة نيويورك: إيران و«القاعدة» تعاونتا لتهريب العملاء إلى أوروبا

«الشرق الأوسط» تواصل كشف الحقائق التي تؤكد ضلوع طهران وحزب الله في 11 سبتمبر > بن الشيبة حصل على تأشيرة من السفارة الإيرانية في برلين لزيارة طهران قبل تنفيذ الهجمات

شهود في محكمة نيويورك: إيران و«القاعدة» تعاونتا لتهريب العملاء إلى أوروبا
TT

شهود في محكمة نيويورك: إيران و«القاعدة» تعاونتا لتهريب العملاء إلى أوروبا

شهود في محكمة نيويورك: إيران و«القاعدة» تعاونتا لتهريب العملاء إلى أوروبا

هناك.. في إيران، وعبر ما عرف في الوثائق الاستخبارية الدولية بـ«خط الجرذان»، هناك فقط، يمكن أن تختفي الفواصل بين التطرف السني ومثيله الشيعي، بين «القاعدة» والحرس الثوري وقوات الباسيج، بين أسامة بن لادن وقاسم سليماني.. هناك فقط كان يمكنك أن تلتقي مؤسس «القاعدة» وهو يصيد الصقور في فضاء يحكمه ملالي قم.. هذا ما أكدته الوثائق التي انفردت بكشفها «الشرق الأوسط».. واليوم تواصل «الشرق الأوسط» كشف الحقائق التي تؤكد ضلوع طهران و«حزب الله» في توجيه وتدريب عناصر إرهابية للقيام بهجمات سبتمبر 2001 التي نفذت بطائرات مختطفة استهدفت أبراجا تجارية ومباني رسمية في الولايات المتحدة، قتل فيها وأصيب آلاف البشر.
في وثائق  قضائية حصلت عليها «الشرق الأوسط» أكد مسؤولون حكوميون أميركيون وأوروبيون وإيرانيون وخبراء ومنشقون من تنظيم القاعدة والحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى أقوال المحامين عن المدعين والمتضررين من الهجمات الإرهابية ، أكدوا جميعا لهيئة المحكمة أنه في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، استخدمت قوات الأمن الإيرانية طريقا (خط الجرذان) كانوا قد أسسوه في وقت سابق لمساعدة عملاء «القاعدة» على الوصول إلى أوروبا لإخلاء مقاتلي القاعدة وعائلاتهم من أفغانستان قبل الهجمات التي شنها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على نظام طالبان. وكان من بين أهم قيادات تنظيم القاعدة الذين مروا عبر «خط الجرذان» أسامة بن لادن، وسيف العدل، وأبو مصعب الزرقاوي. وشبيه به ما حدث مع رمزي بن الشيبة – على ما ذكر المرشح الجمهوري لمجلس الشيوخ السابق كينيث تيمرمان، في شهادته – من أن «رمزي بن الشيبة (منسق هجمات الحادي عشر من سبتمبر)، التقى محمد عطا مختطف الطائرة في العديد من المدن الأوروبية في بداية 2001 ثم سافر إلى أفغانستان لتقديم تقرير متابعة من فريق العمليات إلى أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري. وفي الطريق، توقف بن الشيبة في إيران».
جدير بالذكر أن تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر لم يشر إلى زيارات بن الشيبة إلى إيران رغم أنه أشار إلى تقارير استخباراتية تفيد بأنشطة بن الشيبة في ألمانيا قدمتها الاستخبارات الألمانية إلى اللجنة.
في سبتمبر 2004 قدم المدعى العام، وولتر همبرغر أحد التقارير الاستخباراتية التي تشير إلى أن بن الشيبة قد سافر إلى إيران بجواز سفره بعدما حصل على تأشيرة من السفارة الإيرانية في برلين. كما قدم المدعون الفيدراليون الألمان أيضا إلينا نسخة موثقة من مذكرة صادرة عن الاستخبارات الألمانية تم إرسالها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي في نوفمبر 2001 توثق سفر بن الشيبة إلى إيران في يناير وفبراير 2001.
ومن بين أبرز الشهود على ضلوع طهران في هجمات الحادي عشر من سبتمبر إدغار بن آدم، الرئيس السابق للمكتب الوطني الأميركي للإنتربول وباتريك كلاوسون، مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وكلير لوبيز الضابط بوكالة الاستخبارات المركزية، ودانيال بايمان، المسؤل السابق بلجنة 11 سبتمبر والمرشح الجمهوري لمجلس الشيوخ السابق كينيث تيمرمان وماثيو ليفيت مسؤول الاستخبارات السابق بالخزانة الأميركية، وأبو الحسن بني صدر، الرئيس السابق لإيران. وضابط سابق بالحرس الثوري الإيراني وغيرهم.
يقول ماثيو ليفيت الذي شغل منصب نائب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الاستخبارات والتحليل في وزارة الخزانة الأميركية 2005 - 2007 لـ«الشرق الأوسط» إن الأدلة التي تم استخدامها في المحاكمة لدعم الحكم الذي أدان إيران وحزب الله اللبناني، شملت شهادة الخبراء الأميركيين وكنت من بينهم.
وقال ليفيت الذي يحتل مكانة بارزة بين الخبراء «قدمت لهيئة المحكمة ما يكفي من الأدلة لإثبات تورط إيران بأحداث سبتمبر، ولكن الحكم هو حكم غيابي، وبعبارة أخرى من غير المرجح أن يحقق المرجو منه وأعني ردع إيران.
وقال ماثيو ليفيت في شهادته أمام المحكمة الفيدرالية بنيويورك إن العلاقات بين «القاعدة» وإيران ليست جديدة ولكنها تطورت مع مرور الزمن. وازدهرت العلاقات بين الاثنين لأول مرة في مطلع التسعينات عندما كانت «القاعدة» تتخذ مقرا لها في السودان. وشجع حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية على إقامة علاقات بين الجهتين الشيعية والسنية في جزء من مساعيه لشن حملة عالمية موحدة ضد العدو المشترك. ونتيجة لذلك وصلت إيران و«القاعدة» إلى اتفاق غير رسمي بالتعاون، حيث تقدم إيران المتفجرات الخطرة والاستخبارات والتدريب الأمني لتنظيم بن لادن.
وأضاف ليفيت: «استمرت إيران في تقديم المساعدة بعد انتقال (القاعدة) إلى أفغانستان في عام 1996». وكان المسؤولون الإيرانيون في الغالب على استعداد لتسهيل عملية انتقال أعضاء القاعدة عبر إيران في طريقهم إلى أفغانستان. وتلقى حرس الحدود الإيراني تعليمات بعدم وضع أختام على جوازات سفرهم، ومن المحتمل أن يكون ذلك لمنع حكومات بلادهم من الاشتباه في سفرهم إلى أفغانستان. ورغم أن لجنة 11 سبتمبر لم تجد أي دليل على أن إيران - آنذاك - كانت على دراية بالتخطيط لعمليات 11 سبتمبر التي وقعت لاحقا: «فإنها توصلت إلى أن هناك (دليلا قويا) على تسهيل إيران لعملية انتقال أفراد (القاعدة) – ومن بينهم خاطفون مشاركون في 11 سبتمبر – إلى أفغانستان». وتابع ماثيو ليفيت «بعد 11 سبتمبر، في حين توجه المجتمع الدولي بقوة لمحاربة (القاعدة)، بدأت إيران في تصوير ذاتها كعدو للمنظمة الإرهابية حيث أبرزت باستمرار تصرفاتها ضد تنظيم بن لادن. بيد أن هذا الموقف الذي يبدو صارما كان بمثابة غطاء لتعاملات طهران المستمرة مع التنظيم؛ استمر دعم النظام لـ(القاعدة) خلال تلك الفترة، حتى في أثناء حكم الرئيس محمد خاتمي وقبل أن يتولى محمود أحمدي نجاد الرئاسة بفترة طويلة».
يقول ليفيت: «على سبيل المثال في عام 2002. سلمت إيران ما يزيد على 16 سعوديا في تنظيم القاعدة إلى السلطات في السعودية. ساور الشك كلا من الولايات المتحدة والسعودية في تلك الخطوة»، ووفقا لأحد مسؤولي الاستخبارات العربية: «صرح عدد من عملاء (القاعدة) المقبوض عليهم أن الإيرانيين أخبروهم قبل مغادرتهم أنه قد يتم استدعاؤهم في مرحلة ما لمساعدة إيران».
وبعد غزو أميركا للعراق في عام 2003. بدأت إيران مرة أخرى في زيادة أعمالها العدائية. وعندما خرجت تقارير بأن عناصر من القاعدة يقيمون في إيران، على سبيل المثال ادعى مسؤولون إيرانيون أن الإرهابيين رهن الاعتقال. كان مسؤولو الولايات المتحدة والسعودية كثيرا ما يعارضون تلك التصريحات، معتقدين أن طهران تبالغ في الحديث عن الإجراءات التي تتخذها ضد هؤلاء العملاء الخطرين.
وتابع مسؤول الاستخبارات والتحليل في وزارة الخزانة الأميركية السابق: «توضح إعلانات وزارة الخزانة الأميركية الأخيرة مدى تشكك الولايات المتحدة في التصريحات الإيرانية. ووصفت وزارة الخزانة في إعلانها لاسمي عضوين في تنظيم القاعدة هما مصطفى حميد وعلي صلاح حسين نشاطهم المستمر في إيران. كان حميد الوسيط الرئيسي بين القاعدة والحكومة الإيرانية.
ووفقا لوزارة الخزانة، كان حميد أثناء إقامته في إيران «في استضافة الحرس الثوري الذي يعد نقطة اتصال بين القاعدة وإيران». وترجع صلات حميد بإيران إلى التسعينات، عندما تفاوض، كما ورد في التقارير، على إقامة صلة سرية بين أسامة بن لادن وطهران، مما سمح لكثير من أفراد القاعدة بالسفر بأمان عبر إيران إلى أفغانستان. أما علي صالح حسين فكان «مسؤولا عن تهريب أعضاء القاعدة وشركائها عبر شبكات في مدينة زاهدان بإيران». وفقا لما صرح به مايكل ماكونيل مدير الاستخبارات القومية المنتهية ولايته.
يقول ليفيت «ويوجد دليل أيضا على أن إيران ربما لا تزال تسمح لعملاء القاعدة بالسفر عبر أراضيها للوصول إلى أفغانستان. حيث سافر عادل محمد محمود عبد الخالق عضو تنظيم القاعدة والجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، والذي صنفته وزارة الخزانة كإرهابي في يونيو (حزيران) عام 2008 بسبب تقديمه دعما ماليا وماديا ولوجيستيا لأعمال إرهابية، إلى إيران خمس مرات بين عامي 2004 و2007 نيابة عن التنظيمين الإرهابيين».
وكشفت الحكومة البحرينية عن أنشطة مشابهة أثناء تلك الفترة. ووفقا لمحققيها، سافر كثير من أعضاء خلية متصلة بالقاعدة من البحرين إلى أفغانستان عن طريق إيران. سافر هؤلاء الأفراد أولا إلى طهران واجتمعوا مع آخرين منتمين إلى القاعدة في مطار طهران. وعبر أعضاء القاعدة بأعضاء الخلية من «شخص لشخص» حتى وصلوا إلى معسكرات تدريب في أفغانستان. وفي يناير (كانون الثاني) عام 2008، تمت إدانة خمسة أعضاء في الخلية بارتكاب أعمال إرهابية، من بينها تلقي تدريب على استخدام متفجرات وأسلحة والتورط في أعمال إرهاب في الخارج، وتمويل الإرهاب. واعترف أحد هؤلاء الأفراد بأنه سافر إلى أفغانستان للاشتراك في القتال ضد قوات التحالف. وفي حين لم تعرف الحكومة البحرينية ما هو الدور الذي أدته الحكومة الإيرانية، إن وجد، لتسهيل سفر هؤلاء الأفراد إلى أفغانستان، تثير تلك القضية، كغيرها، تساؤلات حول عمليات التسهيل التي من المحتمل أن تنفذها الحكومة الإيرانية.
وقال المرشح الجمهوري لمجلس الشيوخ السابق كينيث تيمرمان «في شهادته» التي قدمها إلى المحكمة في 10 مايو (أيار) 2010، إنه في عام 1993، شارك الممثل الرسمي للجمهورية الإسلامية - رئيس هيئة الأركان في الحرس الثوري آنذاك - الجنرال محمد باقر ذو القدر في الاجتماع التاريخي بالخرطوم مع حسن الترابي وعماد مغنية وأسامة بن لادن، وهو الاجتماع الذي وضع الأساس للتعاون المكثف بين إيران والقاعدة بما يشمل التدريب، والاستخبارات والأمن وتسهيل السفر وتوفير الملجأ الآمن وهو ما أسفر في النهاية عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر- أيلول. ومباشرة بعد اجتماع الخرطوم 1993، بدأ أسامة بن لادن إرسال عملاء إرهابيين إلى معسكرات تدريب حزب الله التي يديرها مغنية في لبنان وإلى إيران لكي يتدربوا على أيدي قوات الحرس الثوري.
ويضيف تيمرمان المحرر في وكالة «نيوزماكس» والرئيس الحالي لمؤسسة الديمقراطية في إيران، في عام 1992، تم إخبار أعضاء تنظيم القاعدة أن التنظيم يجب أن «يتجاوز عن خلافاته مع التنظيمات الإرهابية الشيعية بما في ذلك حكومة إيران»، لكي يتمكنوا من التعاون معا «ضد العدو المشترك المتمثل في الولايات المتحدة وحلفائها» وذلك وفقا لما قاله جمال أحمد أبو الفضل لمكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي. كان أبو الفضل أحد الرجال الذين يحصلون على ثقة أسامة بن لادن خلال الفترة التي أقامها بن لادن في السودان ثم انشق وفر إلى الولايات المتحدة في صيف 1999.
كما أدلى أبو الفضل بشهادات مشابهة أمام لجنة الحادي عشر من سبتمبر، قدم أبو الفضل شهادة مكثفة وحية أمام محكمة المقاطعة الأميركية للمقاطعة الجنوبية من نيويورك أثناء محاكمة 2001 للمتهمين بتفجيرات السفارة الأميركية في شرق أفريقيا. ويذكر أن مكتب التحقيقات الأميركية جند أبو الفضل كمصدر سري في عام 1996. وفي تلك الشهادة، قال أبو الفضل إن أسامة بن لادن أرسل إرهابيين إلى معسكرات حزب الله في لبنان التي كان يديرها مغنية والحرس الثوري، حيث تعلموا هناك «كيف يمكنهم تفجير المباني الكبيرة». وكان من بينهم سيف العدل، وهو من كبار قادة تنظيم القاعدة أثناء فترة هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
يقول تيمرمان: «سافرت في سبتمبر 2004. إلى إحدى العواصم الأوروبية مع محامي المدعين لاستجواب كولونيل سابق بالحرس الثوري أطلقت عليه (الكولونيل ب) والذي قدم لنا الكثير من الوثائق التي حصل عليها خلال فترة عمله التي امتدت لنحو 20 عاما مع الحرس الثوري. ومن بين الوثائق التي قدمها لنا (الكولونيل ب) وثيقة تشير إلى أن الكولونيل كان خلال الفترة 1999 - 2000 يدير معسكر الشهيد محمد بيغلو وهو معسكر تدريب بساحل الروح التي تبعد نحو 40 كيلومترا من الرشت على مقربة من ميناء أنزالي على بحر قزوين».
ويعتبر محمد بيغلو من أساطير التدريب العسكري في الحرس الثوري مثلما يصفه إعلام الحرس الثوري وبحسب المصادر الإيرانية درب بيغلو 26000 من ضباط الحرس الثوري والباسيج علي حرب الشوارع وحرب العصابات خلال السنوات الأولی من حرب الخليج في الثمانينات وكانت قيادة مركز المهدي التدريبي في تشالوس قرب رشت آخر منصبه قبل مقتله في 15 يوليو (تموز) 1982 في معارك الشلامجة (شط العرب).
وكان بيغلو من أقرب المرافقين لمصطفي تشمران أحد أبرز الإيرانيين الذين ساهموا في تأسيس حركة أمل اللبنانية. وتخصص معسكر تدريب الشهيد بيغلو في تدريب الكثير من الجماعات الإرهابية المرتبطة على نحو أو آخر بتنظيم القاعدة.
ويضيف تيمرمان: «أخبرنا (الكولونيل ب) أن السوريين واللبنانيين والأذريين والليبيين والعراقيين العرب والأكراد العراقيين كانوا يأتون للمعسكر للحصول على دورات تدريبية تمتد لستين يوما. وكان جميعهم من المسلمين السنة. ورغم أن المتدربين من كافة المجموعات كانوا يأتون للحصول على تدريب يستمر لستين يوما، فإنهم نادرا ما كانوا يختلطون. وأضاف الكولونيل بأن الحرس الثوري كان يدير معسكرا منفصلا للسعوديين نظرا لاختلاف عاداتهم الثقافية عن أقرانهم. وكان ذلك المعسكر المنفصل يقع في منطقة في كردستان العراق خاضعة للهيمنة الإيرانية وتديرها الاستخبارات الإيرانية ثم لاحقا كان يديرها أبو مصعب الزرقاوي. وكان هناك معسكر آخر يديره عماد مغنية للمجندين المميزين الذين كان يستقطبهم مغنية أثناء رحلاته إلى أفغانستان وكان يقام في الصحراء شرق طهران».
يقول تيمرمان: «أعتقد كخبير في هذا الشأن أن هذه المعسكرات كانت استمرارا نشطا للعلاقات العسكرية- الإرهابية- التدريبية بين إيران وتنظيم القاعدة في السودان ولبنان التي بدأت في بداية التسعينات».
وتابع: «إذا أخذنا في الاعتبار هذه العلاقات الوثيقة، في هذا الوقت، بين مغنية وتنظيم القاعدة وتدريب عملاء تنظيم القاعدة بمعسكرات حزب الله في لبنان وإيران على يد مغنية والحرس الثوري، يصبح من الواضح أن مغنية كانت على الأقل أمامه فرصة سانحة والوسائل الملائمة لتدريب إرهابيي تنظيم القاعدة على كيفية تدمير مبان كبيرة باستخدام طائرات مخطوفة.
وكانت إيران وطالبان وتنظيم القاعدة قد قطعوا شوطا كبيرا لإقناع الجميع بالأسطورة الشائعة بأنهم شديدو العداوة نظرا لاختلافهم الديني. ولكن وفقا لرئيس جهاز الاستخبارات الباكستاني، الذي أجريت حوارا معه في 1998 في إسلام آباد، فإن الحكومة الإيرانية كانت أحيانا تهاجم قيادات السنة والمؤسسات في باكستان لكي تشعل العداء الطائفي. وبالمثل، اشتهر تنظيم القاعدة في العراق في أعقاب الغزو الأميركي للعراق نظرا للهجمات المتكررة التي كان يشنها على الأضرحة والشخصيات الشيعية. على أي حال، فإن كل ما تعلمته أثناء التحقيقات التي أجريتها خلال العشرين عاما الماضية يشير إلى أن هذه الأسطورة عن الخلافات السنية الشيعية هي أسطورة خاطئة عندما يتعلق الأمر بالعمليات الإرهابية وأن كلا من طالبان وتنظيم القاعدة كانا يتعاونان على نحو وثيق مع إيران منذ بداية التسعينات خاصة في مواجهة الولايات المتحدة.
ومن جهة أخرى، وصف عدد من السجناء بمعسكر غوانتانامو التسهيلات التي كانت تقدمها لهم إيران باعتبارهم أعضاء في تنظيم القاعدة. فقال عدد منهم إن إيران كانت تسهل لهم السفر بين أفغانستان وأوروبا من دون الحاجة إلى دخول باكستان التي كانوا يعتقدون أن الولايات المتحدة يمكنها رصدهم داخلها. من بينهم:
1 - المحتجز حمود عبد الله حمود حسن الوادي: سافر إلى أفغانستان من اليمن عبر إيران وسوريا في بداية 2001.
2 - المحتجز السعودي عبد العزيز عبد الله علي: سافر من دمشق بسوريا إلى طهران بإيران ثم إلى مشهد بإيران وتيبات بإيران ثم إلى قندهار بأفغانستان حيث التحق هناك بتنظيم القاعدة قرب نهاية 2000.
3 - المحتجز عبد الماجد محمد الذي خدم لثلاث أو أربع سنوات في الجيش الإيراني قبل أن يذهب إلى أفغانستان. كان قد حصل على خطاب من قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي: «يسمح للمحتجزين بعبور الحدود من إيران إلى أفغانستان» كناقلي مخدرات.
4 - المحتجز برزاي قاري حسن أولا، نائب رئيس استخبارات طالبان «من المرجح أنه تم تجنيده على يد الحرس الثوري الإيراني أو وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية وتم تدريبه وإعادته إلى أفغانستان كجامع للمعلومات أو لأغراض عملياتية».
وحصل المدعون العسكريون العاملون في جلسات استماع المحتجزين على شهادة ثانية من كينيث تيمرمان. وبالاطلاع على ملفات الاستخبارات الأميركية المتعلقة بالمحتجزين التي تضمنت معلومات بالإضافة إلى ما تم الحصول عليه عبر الاستجواب المباشر، توصل المدعون إلى هذه الملاحظة المهمة: «كانت الاتصالات مع تنظيم القاعدة تدار عبر وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية، كما كان جميع قادة الاستخبارات الإيرانية لديهم اتصالات مع تنظيم القاعدة في أواسط التسعينات».
ومن بين القضايا الأخرى المهمة كانت قضية طارق الشرابي، وهو التونسي الذي تم اعتقاله في إيطاليا باعتباره عضوا في تنظيم القاعدة في أبريل (نيسان) 2001. وتفيد التقارير بأن الشرابي كان قلقا عندما أخبره أحد الأشخاص المخولين بتسهيل السفر لتنظيم القاعدة بأن يستخدم «مهرب الجرذان» عبر إيران. ولكن هذا الشخص طمأنه وأكد له أن تنظيم القاعدة «يتعاون مع الإيرانيين» وأن لديهم تنظيما في إيران «مسؤولا عن مساعدة المجاهدين على عبور الحدود». وأضاف الشخص المسؤول أن تنظيم القاعدة استبدل باكستان كنقطة انتقالية نظرا لأنها كان بها «خلال الأعوام الماضية الكثير من العملاء السريين».
وطلب من الشرابي أن يذهب إلى السفارة الإيرانية في لندن للحصول على تأشيرة «نظرا لسهولة الإجراءات ثم سيتم ترتيب كل شيء أثناء الطريق إلى معسكرات التدريب». وكانت الشرطة الإيطالية قد سجلت الحوارات التي جرت بينهما في 10 مارس (آذار) 2001 وقدمتها أمام محكمة ميلانو التي كان يحاكم بها الشرابي وثلاثة تونسيين آخرين كانوا متهمين وقتذاك بتقديم مساعدات لوجستية لتنظيم القاعدة في أوروبا في فبراير (شباط) 2002.
ومن جهة أخرى، التقى رمزي بن الشيبة الذي وصفه تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر بـ«المنسق» لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، مرارا وتكرارا بمحمد عطا مختطف الطائرة في الكثير من المدن الأوروبية في بداية 2001 ثم سافر إلى أفغانستان لتقديم تقرير متابعة من فريق العمليات إلى أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري. وفي الطريق، توقف بن الشيبة في إيران. جدير بالذكر أن تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر لم يشر إلى زيارات بن الشيبة إلى إيران رغم أنه أشار إلى تقارير استخباراتية تفيد بأنشطة بن الشيبة في ألمانيا قدمتها الاستخبارات الألمانية إلى اللجنة.
في سبتمبر 2004 قدم المدعى العام، وولتر همبرغر أحد التقارير الاستخباراتية التي تشير إلى أن بن الشيبة قد سافر إلى إيران بجواز سفره بعدما حصل على تأشيرة من السفارة الإيرانية في برلين. كما قدم المدعون الفيدراليون الألمان أيضا إلينا نسخة موثقة من مذكرة صادرة عن الاستخبارات الألمانية تم إرسالها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 توثق سفر بن الشيبة إلى إيران في يناير (كانون الثاني)، وفبراير (شباط) 2001.
وتشير مذكرة الاستخبارات الألمانية إلى أن بن الشيبة حصل على تأشيرة من السفارة الإيرانية في برلين ثم سافر إلى أمستردام في 27 - 28 يناير 2001. ثم سافر بالطائرة إلى إيران في 31 يناير 2001.
يقول تيمرمان في شهادته المطولة: «ورغم أن الاستخبارات الألمانية ليست لديها معلومات حول المدة التي بقاها بن الشيبة في إيران، تمكن الألمان بعد ذلك من رصد تحركاته في 28 فبراير 2001 عندما عاد بن الشيبة إلى هامبرغ لإخلاء الشقة التي استخدمها الطيارون في هجمات الحادي عشر من سبتمبر.. وأعتقد أن بن الشيبة لم يسافر إلى إيران كسائح وأن الحكومة الإيرانية كانت تعلم أن بن الشيبة يلعب دورا محوريا في عملية إرهابية قيد التحضير ولذلك قدمت له يد العون».
في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، استخدمت قوات الأمن الإيرانية «خط الجرذان» الذي كانوا قد أسسوه في وقت سابق (لمساعدة عملاء القاعدة على الوصول إلى أوروبا) لإخلاء مقاتلي القاعدة وعائلاتهم من أفغانستان قبل الهجمات التي شنها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على نظام طالبان. وكان من بين أهم قيادات تنظيم القاعدة الذين مروا عبر «خط الجرذان» أسامة بن لادن، وسيف العدل، وأبو مصعب الزرقاوي.
وفي الأسابيع التالية على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تدفق المئات من صفوف مقاتلي تنظيم القاعدة عبر الحدود إلى إيران مع عائلاتهم في مواكب من السيارات رباعية الدفع. وتم نقل معظمهم إلى منازل آمنة في شمال طهران. وكان معظمهم يحظى بحماية النظام الإيراني وذلك وفقا لشهادة كينيث تيمرمان «شهادة الخبراء، صفحة 46». وكانت عملية الإخلاء تتم تحت إشراف رئيس استخبارات الحرس الثوري مرتضى رضائي.
أضاف تيمرمان في شهادته: «وقد علمت بشأن عملية الإخلاء الإيرانية لتنظيم القاعدة من أفغانستان من عدد من المصادر بما في ذلك (الكولونيل ب)، والذي كان زملاؤه مشتركون في عملية الإخلاء، و«بهرام» المنظمة التي كانت مسؤولة عن توفير منازل آمنة خارج طهران تم إيواء نحو 800 مقاتل وعائلاتهم بها، بالإضافة إلى مسؤولين بالحكومة الأميركية والذين أخبروني أنهم كانوا يعلمون أن إيران تستخدم «المروحيات والطائرات ذات الأجنحة الثابتة» بالإضافة إلى مواكب من العربات رباعية الدفع لنقل عملاء القاعدة إلى مدينة مشهد الإيرانية وغيرها في أكتوبر (تشرين الأول) 2001.
وبعدما كانت إيران تنفي لمدة ثمانية عشر شهرا أن عملاء «القاعدة» كانوا موجودين بها، أخبر وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي، الصحافيين في 16 فبراير 2003 بأن السلطات «اعتقلت» أو «رحلت» أكثر من عضو بتنظيم القاعدة.
وتابغ تيمرمان: «ولكن المصادر المذكورة من قبل أخبرتني بأن السلطات الإيرانية في ذلك الوقت لم تعتقل أيا من كبار عملاء تنظيم القاعدة أو أفراد أسرهم. ولكنها بدلا من ذلك نقلتهم من المنازل الآمنة التي تم «تفجيرها» إلى منازل أكثر أمنا تديرها استخبارات الحرس الثوري ومعروفة لمحللي الاستخبارات الأميركية الذين تحدثت معهم باعتبارها مخزنا سابقا للجيش خارج كارج بشمال طهران».
وقال: «بالإضافة إلى أنني لم أر أبدأ أي تقارير تفيد بـ«ترحيل» أعضاء لتنظيم القاعدة من إيران إلى أي بلد آخر. وإذا كان قد حدث، كان لا بد أن يتم تسريب معلومات عنه. وبالتالي، لا توجد معلومات في هذا الصدد؛ حيث إنني بحكم مهنتي أراقب باستمرار التقارير التي تصدر عن معظم مصادر المعلومات التي تبحث في مثل هذه الأمور.
وأكد الخبير الأميركي البارز تيمرمان الذي يكتب بانتظام حول انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، في شهادته «بناء على المعلومات السابقة، أعتقد أن كبار عملاء القاعدة بما في ذلك كبار المخططين العسكريين، سعوا وحصلوا على ملجأ في إيران في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأنهم استخدموا إيران كقاعدة للمزيد من الهجمات الإرهابية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر بمعرفة وموافقة ومساعدة كبار قيادات الحكومة الإيرانية. ومن جهة أخرى، تلقيت الكثير من التقارير المتشابكة منذ 2005 بشأن وجود أسامة بن لادن نفسه في إيران في أوقات مختلفة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقد حصلت على هذه المعلومات من المصادر الثلاثة المنفصلة وغير المتصلة بعضها ببعض. وفي مارس 2008، سافر آلان باروت، المدير التنفيذي لمنظمة «اتحاد الحفاظ على الطيور الجارحة» وهي منظمة غير ربحية إلى طاجيكستان وأفغانستان مع طاقم تصوير للالتقاء بأحد المهربين الذي زعم أنه يلتقي دائما بأسامة بن لادن خلال موسم صيد الصقور في السهوب الشاسعة بشمال شرقي إيران. وقمت شخصيا بمراجعة اللقاء الذي تم تصويره مع المهرب والذي استغرق 55 دقيقة. كما قدم لي باروت تسجيلات صوتية وملاحظات على الحوار وغيرها من المواد لتأكيد ما يعتقده بشأن ذهاب أسامة بن لادن في رحلات صيد متكررة إلى إيران منذ نوفمبر 2004 بموافقة ومساعدة الحكومة الإيرانية التي كانت تغلق المنطقة بكاملها أمام الأجانب حتى الأثرياء العرب عندما يأتي أسامة بن لادن للصيد. ورغم أنني لم أتمكن شخصيا من التحقق من (وجود) أسامة بن لادن في إيران، فإن ذلك يبدو منطقيا في إطار التعاون الإيراني المستمر مع قيادات تنظيم القاعدة والذي بدأ في 1991 - 1992 في السودان».



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.


بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.


واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
TT

واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)

قالت الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء)، إنها ما زالت ترفض اعتبار نيكولاس مادورو الرئيس الشرعي لفنزويلا، وتعترف بسلطة الجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015 بعد أن حلت المعارضة «حكومتها المؤقتة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: «نهجنا تجاه نيكولاس مادورو لا يتغير. إنه ليس الرئيس الشرعي لفنزويلا. نعترف بالجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015»، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
ولدى سؤاله عن الأصول الفنزويلية، ولا سيما شركة النفط الفنزويلية في الولايات المتحدة، قال برايس إن «عقوباتنا الشاملة المتعلقة بفنزويلا والقيود ذات الصلة تبقى سارية. أفهم أن أعضاء الجمعية الوطنية يناقشون كيف سيشرفون على هذه الأصول الخارجية».


ميسي قبل لقاء السعودية: تعرضت لكدمة بسيطة... هذه فرصتي لتحقيق الحلم العظيم

ميسي قال في المؤتمر الصحافي إنه جاهز لمباراة الثلاثاء (إ.ب.أ)
ميسي قال في المؤتمر الصحافي إنه جاهز لمباراة الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

ميسي قبل لقاء السعودية: تعرضت لكدمة بسيطة... هذه فرصتي لتحقيق الحلم العظيم

ميسي قال في المؤتمر الصحافي إنه جاهز لمباراة الثلاثاء (إ.ب.أ)
ميسي قال في المؤتمر الصحافي إنه جاهز لمباراة الثلاثاء (إ.ب.أ)

قال ليونيل ميسي قائد المنتخب الأرجنتيني، إنه يشعر بأنه على ما يرام قبل المواجهة الافتتاحية للمجموعة الثالثة ضد السعودية، غداً الثلاثاء، بينما يُرجح أن تكون تلك مشاركته الأخيرة في كأس العالم لكرة القدم.
وقال ميسي الذي أجرى تدريبات خفيفة بعيداً عن زملائه، السبت، في مؤتمر صحافي، اليوم، الاثنين: «أشعر بأنني في حالة جيدة بدنياً. أعتقد أنني في فترة رائعة على الصعيدين الشخصي والبدني، ولا أعاني أي مشكلات... سمعت أنهم قالوا إنني تدربت بشكل مختلف. كان ذلك بسبب تعرضي لكدمة، ولكن لا يوجد شيء غريب (يحدث). كان مجرد إجراء احترازي».
وأضاف اللاعب البالغ من العمر 35 عاماً، والذي سيخوض كأس العالم للمرة الخامسة، في قطر، أنه لم يستعد بشكل مختلف للبطولة التي تقام للمرة الأولى في شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول).
وأوضح مهاجم باريس سان جيرمان: «لم أفعل أي شيء مميز. لقد اعتنيت بنفسي، وتدربت كما أفعل طوال مسيرتي، مع العلم بأن هذه لحظة خاصة، فربما تكون هذه آخر بطولة كأس عالم لي، وفرصتي الأخيرة لتحقيق هذا الحلم العظيم الذي أحلم به، ونحلم به جميعاً».


مشجعو الإكوادور: لا نستطيع التعبير بالكلمات بعد فوزنا التاريخي في افتتاح المونديال

مشجعون إكوادوريون يحتفلون بفوز منتخب بلادهم على قطر (رويترز)
مشجعون إكوادوريون يحتفلون بفوز منتخب بلادهم على قطر (رويترز)
TT

مشجعو الإكوادور: لا نستطيع التعبير بالكلمات بعد فوزنا التاريخي في افتتاح المونديال

مشجعون إكوادوريون يحتفلون بفوز منتخب بلادهم على قطر (رويترز)
مشجعون إكوادوريون يحتفلون بفوز منتخب بلادهم على قطر (رويترز)

احتفل الآلاف من الإكوادوريين المبتهجين، اليوم الأحد، في مدن مختلفة، بالدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية بعد الفوز التاريخي على الدولة المضيفة قطر في المباراة الافتتاحية لـ«كأس العالم لكرة القدم 2022».
وكانت بداية الإكوادور مثالية للبطولة بفوزها على قطر 2-0 ضمن المجموعة الأولى بهدفين بواسطة المُهاجم المخضرم إينر فالنسيا، الذي سجل من ركلة جزاء، ثم بضربة رأس في الشوط الأول. وشهدت المباراة المرة الأولى التي تتعرض فيها دولة مضيفة للهزيمة في المباراة الافتتاحية لكأس العالم.
وارتدى المشجِّعون قمصان المنتخب الوطني وحملوا أعلام الإكوادور؛ تكريماً للفريق، وامتلأت المطاعم والساحات ومراكز التسوق في أنحاء مختلفة من البلاد بالمشجّعين؛ لمساندة الفريق تحت الشعار التقليدي «نعم نستطيع».
وقالت جيني إسبينوزا (33 عاماً)، التي ذهبت مع أصدقائها إلى مركز التسوق في مدينة إيبارا بشمال البلاد لمشاهدة ومساندة الفريق: «تنتابني مشاعر جيّاشة ولا تسعفني الكلمات، لا يمكنني وصف ما حدث. نحن دولة واحدة، ويد واحدة، وأينما كان الفريق، علينا أن ندعمه».
وفي كيتو وجواياكويل وكوينكا؛ وهي أكبر مدن البلاد، تجمَّع المشجّعون في الحدائق العامة؛ لمشاهدة المباراة على شاشات عملاقة ولوّحوا بالأعلام ورقصوا وغنُّوا بعد النصر.
وقال هوجو بينا (35 عاماً)، سائق سيارة أجرة، بينما كان يحتفل في أحد الشوارع الرئيسية لجواياكويل: «كان من المثير رؤية فريقنا يفوز. دعونا نأمل في أداء جيد في المباراة القادمة أمام هولندا، دعونا نأمل أن يعطونا نتيجة جيدة، ويمكننا التأهل للمرحلة المقبلة».
وانضمّ الرئيس جييرمو لاسو إلى الاحتفالات.
وكتب لاسو، عبر حسابه على «تويتر»: «الإكوادور تصنع التاريخ. عندما تكون القيادة واضحة، ولديها رؤية وتعمل على تحقيقها، فإن الفريق يكتب اسمه في سجلات التاريخ...».
وستختتم الجولة الأولى من مباريات المجموعة الأولى، غداً الاثنين، بمباراة هولندا والسنغال.
وستلعب الإكوادور مرة أخرى يوم الجمعة ضد هولندا، بينما ستواجه قطر منافِستها السنغال.


مناطيد مهرجان «تازونغداينغ» تُنسي البورميين أجواء النزاع

محتفلون في مهرجان «تازونغداينغ» (أ.ف.ب)
محتفلون في مهرجان «تازونغداينغ» (أ.ف.ب)
TT

مناطيد مهرجان «تازونغداينغ» تُنسي البورميين أجواء النزاع

محتفلون في مهرجان «تازونغداينغ» (أ.ف.ب)
محتفلون في مهرجان «تازونغداينغ» (أ.ف.ب)

تجمّع آلاف البوذيين، أول من أمس الأحد، في وسط بورما؛ للمشاركة في إحياء طقوس دينية شعبية شكّل الاحتفال بها فاصلاً ملوّناً، وسط النزاع الدامي الذي تشهده الدولة الآسيوية.
وحالت جائحة «كوفيد-19» وانقلاب فبراير (شباط) 2021 لعامين متتاليين دون أن تشهد بيين أو لوين، هذا الاحتفال باكتمال القمر الذي يصادف نهاية موسم الأمطار المعروف بـ«تازونغداينغ» أو مهرجان الأضواء. وارتفعت مناطيد الهواء الساخن في الليل البارد وعليها صور لبوذا وأنماط ملونة تقليدية؛ ومنها الدب الأبيض.
ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، تتولى لجنة تحكيم اختيارَ الأجمل منها، الذي يصل إلى أكبر علو ويطير أطول وقت بين 76 منطاداً تشارك في الأيام الخمسة للاحتفالات.
ويترافق هذا الحدث مع كرنفال وعرض رقص تقليدي يوفّر جواً من البهجة بعيداً من أخبار النزاع الأهلي، الذي أودى بحياة ما بين 2400 و4000 شخص في نحو عامين.
وإذا كان الاحتفال بـ«تازونغداينغ» راسخاً في التقاليد البوذية، فإن البريطانيين الذين كانوا يستعمرون بورما هم الذين كانوا وراء مسابقة المناطيد في نهاية القرن الـ19.
ودرَجَ عشرات الآلاف من البورميين والأجانب الفضوليين في السنوات الأخيرة، على حضور هذه الاحتفالات المعروفة على السواء بألوانها وبالخطر الذي تنطوي عليه، إذ تُحمَّل المناطيد بالألعاب النارية التي قد تسبب كارثة إذا انفجرت قبل الأوان.
ويعود الحادث الأخطر إلى عام 2014 عندما قُتل 3 متفرجين بفعل سقوط منطاد على الحشد في تونغي، وسط بورما.


إقصاء ببغاء نادر عن مسابقة يثير غضباً في نيوزيلندا

ببغاء كاكابو («فورست أند بيرد»)
ببغاء كاكابو («فورست أند بيرد»)
TT

إقصاء ببغاء نادر عن مسابقة يثير غضباً في نيوزيلندا

ببغاء كاكابو («فورست أند بيرد»)
ببغاء كاكابو («فورست أند بيرد»)

أثار حرمان أضخم ببغاء في العالم من المشاركة في مسابقة انتخاب «طير السنة» في نيوزيلندا، غضب هواة الطيور الذين هالهم استبعاد طير كاكابو، المحبوب جداً والعاجز عن الطيران، حسب «وكالة الصحافة الفرنسية».
وثارت حفيظة كثيرين إثر قرار المنظمين منع الببغاء النيوزيلندي ذي الشكل اللافت، الذي يواجه نوعه خطر الانقراض. ويشبه ببغاء كاكابو، المعروف أيضاً باسم «الببغاء البومة»، كرة بولينغ مع ريش أخضر. وسبق له أن وصل إلى نهائيات المسابقة سنة 2021، وفاز بنسختي 2008 و2020.
هذا الطير العاجز عن التحليق بسبب قصر ريشه، كان الأوفر حظاً للفوز هذا العام. لدرجة وصفه بأنه «رائع» من عالِم الأحياء الشهير ديفيد أتنبوروه، إحدى أبرز المرجعيات في التاريخ الطبيعي، والذي قدمه على أنه طيره النيوزيلندي المفضل. لكنّ المنظمين فضلوا هذا العام إعطاء فرصة لطيور أقل شعبية.
وقالت الناطقة باسم هيئة «فورست أند بيرد» المنظمة للحدث، إيلين ريكرز، إن «قرار ترك كاكابو خارج قائمة المرشحين هذا العام لم يُتخذ بخفّة».
وأضافت: «ندرك إلى أي مدى يحب الناس طير كاكابو»، لكن المسابقة «تهدف إلى توعية الرأي العام بجميع الطيور المتأصلة في نيوزيلندا، وكثير منها يعاني صعوبات كبيرة».
وأوضحت الناطقة باسم الجمعية: «نريد أن تبقى المسابقة نضرة ومثيرة للاهتمام، وأن نتشارك الأضواء بعض الشيء».
وليست هذه أول مرة تثير فيها مسابقة «طير السنة» الجدل. فقد تلطخت سمعة الحدث ببعض الشوائب في النسخ السابقة، سواء لناحية عدد مشبوه من الأصوات الروسية، أو محاولات فاضحة من أستراليا المجاورة للتلاعب بالنتائج. والفائز باللقب السنة الماضية كان طير «بيكابيكا-تو-روا»... وهو خفاش طويل الذيل. وهذه السنة، تدافع صفحات «فيسبوك» عن طير «تاكاهي» النيوزيلندي، وعن طير «كيا» ذي الريش الأخضر، وهما نوعان يواجهان «صعوبات كبيرة» وفق منظمة «فورست أند بيرد». لكن فيما لا يزال التصويت مستمراً، يشدد أنصار الببغاء كاكابو على أن إقصاء طيرهم المفضل عن المسابقة لن يمرّ مرور الكرام. وانتقدت مارتين برادبوري المسابقة، معتبرة أنها تحولت إلى «جائزة عن المشاركة» موجهة للطيور القبيحة. أما بن أوفندل فكتب على «تويتر» أن «نزاهة طير السنة، وهي مسابقتنا الوطنية الكبرى، تضررت بلا شك».


بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
TT

بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، إلى كولومبيا في مستهل جولة تشمل أيضاً تشيلي والبيرو، في محاولة لترسيخ شراكات الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية التي تعد فناءها الخلفي الجيوسياسي، في مواجهة الطموحات الصينية المتزايدة في منطقة شهدت انتخاب عدد من الرؤساء اليساريين أخيراً.
وخلال جولته التي تستمر أسبوعاً في الدول الثلاث، سيحضر كبير الدبلوماسيين الأميركيين أيضاً قمة وزارية. ويقر المسؤولون في واشنطن بأن هناك ضرورة لإظهار اهتمام الولايات المتحدة بجيرانها الجنوبيين، «باعتبارهم أولوية سياسية رغم التركيز على قضايا جيوسياسية كبرى، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، وتهديد الصين لتايوان». وتأمل إدارة الرئيس جو بايدن في أن يحافظ الزعماء اليساريون الجدد في أميركا اللاتينية «على نهج صديق للمشروعات الحرة وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وألا يجنحوا إلى الشغب الآيديولوجي في حكمهم».
وأفاد مساعد وزير الخارجية الأميركي براين نيكولز، في إحاطة للصحافيين، بأن بلينكن يزور ثلاث دول «كانت منذ فترة طويلة شريكة تجارية حيوية للولايات المتحدة، ولديها اتفاقات تجارة حرة مع الولايات المتحدة (…). نحن نركز على تعزيز علاقاتنا مع تلك الحكومات». وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أن بلينكن سيلتقي في بوغوتا الرئيس اليساري غوستافو بيترو، وهو متمرد سابق، ووزير الخارجية ألفارو ليفا لمناقشة الأولويات المشتركة بين البلدين، بما في ذلك «الدعوة إلى ديمقراطيات قوية في كل أنحاء المنطقة، ودعم السلام والمصالحة المستدامين، والتصدي للهجرة غير النظامية كأولوية إقليمية، ومكافحة الاتجار بالمخدرات، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، ومعالجة أزمة المناخ».
وأضافت أن بلينكن سيجدد دعم الولايات المتحدة لاتفاق السلام الكولومبي لعام 2016 خلال مناسبة مع نائبة الرئيس فرانسيا ماركيز، على أن يزور مركزاً لدمج المهاجرين في سياق دعم سياسة الوضع المحمي المؤقت في كولومبيا للمهاجرين الفنزويليين، الذي يعد نموذجاً في المنطقة. وكان بيترو، سخر خلال حملته، من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على المخدرات، معتبراً أنها «فاشلة»، علماً بأن هذه الدولة في أميركا الجنوبية هي أكبر منتج للكوكايين في العالم، ولطالما واجهت ضغوطاً من واشنطن للقضاء على محاصيل المخدرات. كما تحرك بيترو لإعادة التعامل دبلوماسياً واقتصادياً مع حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، رغم جهود الولايات المتحدة لعزل الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك).
واستخدم مسؤولو إدارة بايدن نبرة تصالحية في الغالب حيال بيترو، مركزين على مجالات الاتفاق في شأن قضايا مثل تغير المناخ واستشهدوا بمناشداته لمادورو للعودة إلى المحادثات مع المعارضة الفنزويلية. وفيما يتعلق بدعوات بيترو لإنهاء الحرب على المخدرات، قال نيكولز إن واشنطن تدعم بقوة «النهج القائم على الصحة والعلم» لمكافحة المخدرات، مضيفاً أن هذا «ينعكس في سياستنا لدعم التنمية الريفية والأمن الريفي في كولومبيا. ونعتقد أن الرئيس بيترو يشارك بقوة في هذا الهدف». لكنّ مسؤولاً أميركياً أكد أن واشنطن تراقب عن كثب، ما إذا كان تواصل كولومبيا مع السلطات في فنزويلا المجاورة يخالف العقوبات الأميركية على حكومة مادورو.
وتأتي جولة بلينكن أيضاً، بعد عملية تبادل أسرى بين الولايات المتحدة وفنزويلا، ما يعكس تحسناً حذراً للعلاقات بين الدولتين، رغم عدم اعتراف واشنطن بإعادة انتخاب مادورو رئيساً لفنزويلا عام 2018... وقال نيكولز: «نحن لا نحكم على الدول على أساس موقعها في الطيف السياسي، بل على أساس التزامها بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان».
ويحمل كبير الدبلوماسيين الأميركيين في رحلته هذه، جدول أعمال مثقلاً لمنظمة الدول الأميركية. ويتوجه الأربعاء إلى سانتياغو، حيث سيعقد اجتماعاً مع رئيس تشيلي اليساري غابرييل بوريتش البالغ 36 عاماً من العمر، الذي تولّى منصبه في مارس (آذار) الماضي. وأخيراً، يتوجه إلى ليما الخميس والجمعة، للقاء الرئيس الاشتراكي بيدرو كاستيو الذي ينتمي لليسار الراديكالي والمستهدف بتحقيقات عدة بشبهات فساد واستغلال السلطة منذ وصوله إلى الرئاسة قبل أكثر من عام. وسيشارك في الجمعية العامة السنوية لمنظمة الدول الأميركية. وسيدرس المجتمعون قراراً يطالب بإنهاء «العدوان الروسي على أوكرانيا»، رغم أن بعض الدول الأميركية اللاتينية عبرت عن تحفظها، بالإضافة إلى قرارات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في نيكاراغوا والوضع الاقتصادي والسياسي المتردّي في هايتي.


أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».


رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.