هاني عبد السلام
مسؤول قسم الرياضة
TT

كرة القدم والاتجار في الأطفال

برشلونة الإسباني أفضل أندية العالم في الوقت الراهن متهم باستغلال الأطفال!!.. لقد فجر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) القضية بمعاقبة النادي الكتالوني بالحرمان من التعاقد مع لاعبين جدد في الفترتين المقبلتين من سوق الانتقالات، في إشارة إلى أنه خالف اللوائح المتعلقة بعشرة لاعبين تحت السن القانونية، من دون أي إيضاحات.
لقد قذف الـ«فيفا» بالقنبلة وترك الجميع يجتهد في البحث عن الأسباب بالتحليل، سواء بغرض الشماتة، أو تبرير هذه الظاهرة التي لا يمكن بأي حال أن يكون برشلونة هو وحده الذي يتحمل تبعاتها.
لماذا برشلونة؟.. إنه سؤال أطرحه ليس دفاعا عن ناد أشجعه أو أمتلك أسهما به، ولكن لأني على يقين بأن كبرى أندية العالم تعقد صفقات من هذا النوع، بل هناك أندية في بلدان أوروبية تخصصت في اكتشاف الأطفال الموهوبين وتعمل على رعايتهم لصالح أندية أشهر وأكبر بالقارة.. أي إنها تقوم بدور السمسار الوسيط تحت مسمع ومرأى من الـ«فيفا» والاتحاد الأوروبي دون أن توجه إليها أي إنذارات أو عقوبات.
وبعيدا عن أوروبا، فمعظم أندية دول أميركا اللاتينية وفي مقدمتها البرازيل صاحبة الرقم القياسي في تصدير المواهب، تقوم بشراء لاعبين أقل من السن القانونية، والغرض معروف هو انتظار الفرص لتسويقها لمن يدفع أكثر. ويتعدى الأمر مرحلة بيع وشراء العقود إلى الاستغلال الأبدي للاعب كما هو متبع من شركات التسويق البرازيلية التي تحتكر التعاقدات مع الناشئين ولا تعطي لهم الحق في فسخ هذا الارتباط طوال مسيرتهم بالملاعب.
أين الـ«فيفا» من كل هؤلاء؟.. لم يفصح الاتحاد الدولي في بيانه العقابي عن هوية الصفقات العشرة المخالفة التي أبرمها برشلونة، والأغرب هو رسالته للنادي الإسباني بضرورة العمل على إصلاح تبعات صفقات قديمة تعود لعشرات السنوات! أيضا دون معرفة الكيفية.
وهل إذا كان برشلونة قد تعاقد مع لاعب تحت السن وليكن 13 عاما قبل عشر سنوات فهذا الطفل الآن عمره 23 عاما، وقادر على تحمل مسؤولية قراراته فكيف سيعالَج الأمر؟..
من السخف الادعاء بأن نجاح برشلونة في التعاقد مع الأرجنتيني ميسي، حينما كان في الـ13 من عمره هو السبب وراء ازدهار ظاهرة التعاقد مع الأطفال، لأن قصة النجم الأرجنتيني هي وسام على صدر النادي الكتالوني الذي انتشله من الفقر ليعالجه من مرض عضال يؤثر في خلايا النمو، وجعل منه هذا النموذج العبقري الذي يستمتع العالم بمشاهدته.
هناك فرق كبير بين مركز «لا ماسيا» لتنمية الناشئين في برشلونة، وبين سماسرة الاتجار في الأطفال. مركز «لا ماسيا» باعتراف الـ«فيفا» هو الأبرز بالعالم لتخريج الموهوبين ونقطة فخر الإسبان، لأن له الفضل الأكبر في الإنجازات التي حققتها الكرة الإسبانية خلال السنوات العشر الأخيرة.
لقد كان الـ«فيفا» وراء اختراع ظاهرة وكلاء اللاعبين في عصر الاحتراف الجشع، وتحول هؤلاء بموجب قانون الاتحاد الدولي لسماسرة يجوبون أميركا اللاتينية وأفريقيا، بحثا عن مواهب بسعر رخيص، على أمل أن تتحول إلى منجم ذهب.
لا يمكن لـ«فيفا» إلقاء قنبلة لتصيب شظاياها عناصر مهمة في اللعبة دون تحقيق وكشف كامل عن المتورطين في تهم اختراق قانون التعاقدات.
اتحادات الكرة المحلية في العالم جميعها ينضوي تحت لواء الـ«فيفا» ويعمل وفقا لقوانينه، وقضية التعاقد مع لاعبين تحت السن القانونية لا تقل جرما عن قضية الاتجار في الأطفال، وعلى مجالس حقوق الإنسان الدولية والاتحاد الأوروبي التدخل للتحقيق بها إذا صحت ادعاءات الـ«فيفا».. لكن من موقف المتابع أجزم أن قضية برشلونة ستنتهي مثل فقاعة في الهواء.