داليا عاصم
كاتبة صحافية وباحثة في علم الاجتماع الافتراضي
TT

دونالد ترامب ومشارف «الربيع الأميركي»

ما حدث في الانتخابات الأميركية يشبه كثيرا ما حدث في مصر حينما وجد المصريون أنفسهم ما بين خيارين صعبين إما اختيار أحمد شفيق أحد رموز نظام الرئيس الاسبق محمد حسني مبارك، أو الوقوع في براثن الإخوان المسلمين طواعية أملا في التغيير. وهو ما عكسته الانتخابات الأميركية من توجهات المجتمع الأميركي الذي لم يجد مفرا من اللجوء للحزب الجمهوري أملا في طوق نجاه من الدوامات السياسية التي وضعتهم فيها إدارة الرئيس باراك أوباما وحزبه الديموقراطي وبالطبع وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون.
خطاب هيلاري كلينتون الأخير لحشد الناخبين كان مليئا بالشعارات الباهتة، بأن الشعب سيفخر ويقول لأحفاده والأجيال القادمة بأنهم اختاروا الأصلح وأن اختيارهم كان السبب في التغيير الحقيقي، بينما قدم ترامب وعودا تتعلق بالأحوال المعيشية والاقتصادية الواقعية، وهو ما جعل الأميركيين ينفرون من هيلاري، لأنها لو كانت تود أن تقدم شيئا لأميركا لكانت قدمته طوال السنوات الماضية.
ربما ما كان على هيلاري كلينتون نشر مذكراتها عام 2014 والتي حملت عنوانا معبرا عن وضعها الحالي "خيارات صعبة"، تلك المذكرات تفضح جليا كل أفكار وتصورات ومواقف هيلاري تجاه دول العالم وقادتها وتكشف عن "العنجهية" الأميركية أو الجبروت في التعامل مع قضايا العالم الملحة ولا سيما في الشرق الأوسط. كشفت هيلاري بكل وضوح عن دورها في تحفيز الشباب المصري على الاستعانة بـ"وسائل التواصل الاجتماعي" في إسقاط النظام والحكم وكيف كانت تسعى لتخصيص ميزانية لتدريب الشباب على هذا والإعداد لثورات الربيع العربي، وبالطبع كانت تعد العدة لمزيد من موجات "الخريف العربي" بدليل ترويج انصار جماعة "الإخوان المسلمين" لفوزها وانتعاشهم والترويج للتصالح مع الإخوان خلال الفترة الماضية.
تصنف هذه الانتخابات الأميركية حقا بالتاريخية لأنها تضع الولايات المتحدة الأميركية على صفيح ساخن. فمن انتخبوا ترامب سوف يعادون أي مختلف معهم بالرأي أو الهوية أو العرق تحت شعار "دعونا نستعيد أميركا"، بينما سيرى البقية من المناهضين للإدارة الأميركية ومواقفها أن أنصار "ترامب" هم السبب في حالة الاستقطاب والخوف من الآخر التي تسري فعليا الآن في المجتمع الأميركي. ما كشفت عنه "السوشيال ميديا" هو أن المسلمين واللاتينيين وغيرهم ينتابهم الخوف حول مصيرهم في ظل عهد ترامب؛ فلم تعد أميركا بالنسبة لهم رمز العدالة والمساواة وأرض الفرص كما كانت. خاصة وأن جزءا من مخطط ترامب الرئاسي هو الترحيل الجماعي لنحو 11 مليون مهاجر غير شرعي يعيشون في الولايات المتحدة.
من ناحية خرى، فإنه وفقا لآخر الاحصائيات فالمجتمع الأميركي يعاني من البطالة بشكل غير مسبوق وترزح الطبقة المتوسطة تحت وطأة الضرائب الباهظة فيما يعاني المجتمع من الجرائم بمختلف أنواعها ناهيك عن مأساة حوادث إطلاق النار وعودة العنصرية تجاه "الأفروأمريكان" مرة أخرى.
وربما قد تجد روسيا الفرصة المواتية لتقسيم أميركا ورد الصاع صاعين مثلما نجحت أميركا في تفتيت الاتحاد السوفياتي عام 1991، كما نجحت أميركا من قبل في استغلال ميخائيل غورباتشوف وكذلك بوريس يلسين في القضاء على أسطورة الاتحاد السوفياتي.
المحللون السياسيون يقولون إن أميركا ستجني ما فعلته بالعالم من تقسيم وتفتيت وزرع ثقافة الكراهية في دول الشرق الأوسط، وأيضا يتوقعون الأسوأ فيما يتعلق بمصير الشرق الأوسط. و"الحق أن كلا يغني على ليلاه" لكن كل ما يمكن قوله الآن ان الشعب الأميركي في حاجة للتعاطف وربما لأول مرة في تاريخ أميركا الحديث.
للأسف الشعب الأميركي أصبح في وضع لا يحسد عليه، ويبدو أن أسطورة" الحلم الأميركي" لن تعود. فمقارنة بوضع مصر أثناء الانتخابات الرئاسية التي أعقبت ثورة 30 يونيو، فمثلما فتت انتخاب رئيس إخواني الشعب المصري إلى "إخوان" و "فلول"، فقد قسم "ترامب" الأميركيين بالفعل. وأعتقد أنهم بعد تجربة حكم "ترامب" الذي أجده شبيها في تصرفاته المثيرة بـ"مرسي" سيكون على الأميركيين القيام بثورة "ربيع أميركي" لتصحيح المسار.