طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«أجيال» والطاقة الإيجابية!

لا يزال قادرًا على تحقيق البهجة وبعث طاقة إيجابية، أتحدث عن مهرجان «أجيال» السينمائي الذي افتتح الأربعاء الماضي وسوف تُسدل ستائر دورته الرابعة في الدوحة مساء اليوم.
المهرجان يتوجه للإنسان أيًا كان عمره، وموقعه الجغرافي، الأطفال يشكلون العمق الاستراتيجي والبنية التحتية لكل الفعاليات التي نتابعها، وهكذا انطلقت الفكرة من خلال مؤسسة الدوحة للأفلام، لتقدم لمحة مغايرة واستثنائية في دنيا المهرجانات، الطفل هو الهدف، ولكن لا بأس من أن تتسع الدائرة قليلا لتشمل كل أفراد العائلة، لا يكتفي فقط الأطفال بمشاهدة الأفلام والعودة إلى منازلهم بعد مناقشات سريعة فيما بينهم، بل هم أيضًا في سابقة استثنائية يمنحون الجوائز للفائزين، دون وصاية أو تدخل مباشر أو غير مباشر من الكبار، وكأن الدرس الذي يتلقونه في سنواتهم الخضراء أنهم أصحاب القرار، حيث تُقسم أعمار المحكمين إلى ثلاث مراحل، تُحاكي القمر في سعيه للاكتمال، وهكذا نجد «المحاق» وهم المحكمون الذين تتراوح أعمارهم من 8 إلى 12 ثم «الهلال» من 13 إلى 17 وأخيرا «البدر» من 18 إلى 21.
المهرجان لا يكتفي بأن يعرض فقط أفلامًا صالحة للأطفال والمراهقين وبواكير الشباب، بل ينطلق خارج تلك الأسوار العمرية لنرى أفلامًا حاصلة على سعفة «كان» أو دب «برلين» أو مرشحة لـ«الأوسكار» في 2017، حتى يرضي المذاق والمزاج العام لعشاق السينما على اختلاف مشاربهم.
فيلم الأطفال هو حلم عربي، أقصد أن نرى فيلمًا روائيًا طويلاً يقع في إطار سينما الطفل، كان ولا يزال حلمًا مجهضًا، رغم المحاولات الدؤوبة لتحقيقه، كثيرا ما تبدد الحلم. في نهاية الثمانينات من القرن الماضي كان لدينا كيان ثقافي اسمه «اتحاد الفنانين العرب»، الغرض من إنشائه هو التأكيد على أنه حتى لو فرقت السياسة بين القيادات فإن لدينا كعرب قوة ناعمة وفاعلة تستطيع أن توحد الصف، وبدأنا نستمع مجددًا إلى مقولة عشناها في الستينات «اختلف العرب في كل شيء واتفقوا على صوت أم كلثوم»، أثمر الاتحاد عن مسرحية شارك فيها عدد كبير من فناني عالمنا العربي اسمها «واقدساه» طافت الكثير من الدول رغم تواضع مستواها الفني، وبعدها كان الحلم الأكبر وهو إقامة مهرجان لسينما الأطفال تحت رعاية الاتحاد، ووضع في خطته أن ينتج في كل عام فيلمًا، ولم يتحقق بالطبع شيء على أرض الواقع، المأساة أن الاتحاد فقد تمامًا مع مرور السنوات تأثيره العربي، ولم يبق منه مع الزمن سوى اسمه، بعد أن تقلصت تمامًا موارده المالية، ولهذا كان ينبغي ألا يموت الحلم حتى خارج هذا الاتحاد الذي صار أشبه بـ«خيال مآتة»، وهكذا ازدادت الحاجة إلى مشروع جريء مثل مهرجان «أجيال» ليملأ شيئًا من الفراغ، ويحقق في نفس الوقت مساحة من الإشباع للطفل.
لا تتوجه أفلام الأطفال فقط إليهم، ولكنها تخاطب الإنسان الذي لا يزال بداخله طفل لا يريد أن يشب عن الطوق، وكلنا مع اختلاف الدرجة هذا الطفل أو هذا الرجل.
كان وسيظل الإنسان يرنو للخيال، وهذا هو ما تسعى لتحقيقه السينما، وفي تلك المساحة تلعب الأفلام دورها وتحقق على الشاشات الإمتاع للصغار والكبار، عندما ينشأ جيل جديد يتعامل باحترافية مع فن السينما، فإننا في هذه الحالة نراهن على المستقبل، وهذا هو الاحتياطي الاستراتيجي الذي من المستحيل أن ينفد.