طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«الحقنا يا ريس»

كم مرة قرأت مناشدات لرئيس الجمهورية أو لرئيس الوزراء أو في الحد الأدنى للوزير لكي يتدخل لإيجاد حل لهذه المشكلة أو تلك، من الإبرة للصاروخ، الشعب ينتظر تدخل الدولة، وننسى جميعًا أن علينا دورًا رئيسيًا في حل الأزمة والتي في العادة نحن شاركنا في صنعها.
عندما يجد الجمهور أن هناك لقطات لا يرضى عنها سواء في السينما أو التلفزيون، على الفور يعلو الصوت الذي يطالب الدولة بالتدخل والحذف من المنبع، رغم أن الأساس هو أن نتعلم فضيلة الاختيار والانتقاء، ولا تنسى أن عددًا من الدول العربية وبينها مصر لجأت لتطبيق قانون التصنيف العمري في تحديد الفئات السنية للمشاهدة، وهو نظام تأخرنا كثيرًا كعالم عربي في تطبيقه، قرابة نصف قرن، إلا أننا لم نتعلم حقيقة كيف نتعامل معه، وفي دور العرض مثلا لا يطبق المسؤول قواعد السماح أو المنع كما كفلها القانون، بالإضافة إلا أن الجمهور لا يلتزم، وبعد ذلك يقولون أين الدولة؟
قبل اندلاع ثورات «الربيع العربي»، كان يجري تصوير فيلم اسمه «الحقنا يا ريس»، تستطيع من العنوان أن تدرك أن الرسالة التي أرادوا توصيلها هي أن الكل فاسد، بما فيهم الحاشية، وهم ينتظرون أن ينقذهم الرئيس، راجع الكثير من الأفلام المماثلة التي رأينا فيها الرئيس هو الملجأ الأخير مثل «كراكون في الشارع» أو «زواج بقرار جمهوري» أو «طباخ الرئيس»، أما الذي حدث في «الحقنا يا ريس»، هو أن ثورة 25 يناير (كانون الثاني) نجحت في إجبار مبارك على أن يتنازل عن الحكم، فتم تغيير العنوان إلى «صرخة نملة»، ولم يعد أحد ينتظره، بل أطاحوا بالرئيس في الفيلم تمشيًا مع الأحداث الواقعية.
في منتصف الثمانينات قدمت السينما المصرية الكثير من الأفلام عن ملحمة «الحرافيش» لنجيب محفوظ، والتي تحتوي على عشر قصص متتابعة، عدد من المخرجين اختاروا قصة من الملحمة وقدموها في فيلم، والذي ينتهي عادة بإزاحة فتوة وتنصيب آخر، ولكن المخرج على بدرخان بالاتفاق مع أديب «نوبل» قررا أن العشر قصص لا يمكن اجتزاؤها وتقدم كعمل واحد واختار لها عنوان «الجوع»، وجاءت نهاية الفيلم كاشفة عن المغزى، عندما أمسك بدرخان بعمق الرواية وهو أن الشعب يحكم ويحدد ويضع ويطبق القانون، ورفض الفتوة الجديد من نصبوه عليهم حاكمًا أن يُمسك بمفرده مقاليد السلطة، وقال لهم تولوا أنتم القيادة ولا تضعوا مصيركم في يد شخص واحد تطلبون منه أن يفعل كل شيء وأنتم تنتظرون.
كم مرة شاهدنا من يمشي في الشارع أو يركب سيارة ثم يلقي بمخلفاته، ورق «كلينكس» أو أعقاب سجائر، أو «كوز» ذرة، لو كل منا أعرب عن استيائه، سيدرك الفاعل فداحة الخطأ، عندما نفتقد التعبير عن الدهشة وتتعود عيوننا على التطبيع الاجتماعي مع القبح، يصبح هو القانون السائد.
لا تنتظر أن تدخل الشرطة في اللحظات الأخيرة كما تعودنا في أفلام «الأبيض والأسود»، ولكن هناك أيضًا من الأفلام ما منح البطولة لرجل الشارع العادي، الذي نراه في اللحظة المناسبة يمنع وقوع الجريمة، لا يمكن أن نقول دائمًا، «الحقنا يا ريس»، الحقينا يا حكومة، حاول قبل فوات الأوان أن تلحق نفسك بنفسك ولصالح نفسك!