ليونيد بيرشيدسكي
TT

ليبيا بين ترمب وبوتين

ينبغي على أولئك الذين ينتظرون أول إشارات التعاون بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يحرصوا على متابعة أخبار ليبيا. وهي تمثل حلبة المنافسة المفتوحة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، التي يمكن أن تتحول على نحو مفاجئ إلى السيد ترمب، أو ربما تتحول إلى السيد بوتين.
وتكمن أهمية ليبيا في أسباب ثلاثة: فهي نقطة البدء فيما يعرف بطريق البحر المتوسط المركزي، الذي عبر من خلاله عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين قاصدين دول الاتحاد الأوروبي. كما أنها من كبار الدول المصدرة للنفط الذي من شأنه التأثير على الأسعار العالمية شديدة التقلب. وأخيرا، فإن الفوضى العارمة في ليبيا تجعلها، من زاوية مصطلحات وزارة الخارجية الأميركية «الملاذ الآمن للجماعات الإرهابية».
وفي قمة غير رسمية عقدت في مالطا مؤخرا، ضمت قادة دول الاتحاد الأوروبي، أعرب الزعماء الأوروبيون عن دعمهم للحكومة الليبية المدعومة من منظمة الأمم المتحدة، والتي تتخذ من العاصمة طرابلس مقرا لها، وعلى رأسها رئيس الوزراء الحالي فائز السراج. كما أعلن القادة الأوروبيون أيضا دعمهم للاتفاق الذي توسط فيه ووقع عليه رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتيلوني مع السراج. وتتصدر إيطاليا المشهد السياسي من خلال تمويل بناء مخيمات اللاجئين في ليبيا. وضخ الاتحاد الأوروبي نحو 200 مليون يورو (نحو 215 مليون دولار) لجهود المحافظة على المهاجرين المحتملين في ليبيا وتونس والنيجر.
ولكن قضية اللاجئين ليست الشغل الشاغل للسيد بوتين في ليبيا على أي حال. فإنه مهتم للغاية باستعادة النفوذ الروسي هناك، وإقامة وجود عسكري مستدام إن أمكنه ذلك.
وكانت ليبيا من حلفاء روسيا، ومن الملاعب الكبيرة لشركات النفط الروسية، ومن أكبر المشترين للأسلحة الروسية كذلك، ومع سقوط نظام القذافي في عام 2011، فقدت الحكومة الروسية عقدا مربحا للغاية لإنشاء خط السكك الحديدية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط هناك، وهو أحد الاستثمارات الروسية الخارجية الكبيرة والمعطلة.
وتابع السيد بوتين فعاليات الربيع العربي بكل أسف، ليس فقط بسبب إحباط مخططات المستبدين أمثاله، ولكن بسبب أن الحكام المستبدين العلمانيين هناك قد استبدلوا بالمتطرفين الإسلامويين. وبالنسبة للسيد بوتين، فإن الحكام المستبدين الأقوياء كانوا حائط الصد المنيع في وجه المتطرفين المسلحين. ولقد وضع بوتين خطا أحمر واضحا حيال محاولات الإطاحة بنظام حكم بشار الأسد هناك، وأقام علاقات قوية وعميقة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأعاد العلاقات المتوترة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. ويتسق تحالفه مع إيران مع هذه الجهود أيضا.
وفي ليبيا، فإن محور السلطوية العلمانية لا يمكن أن يضم حكومة السراج بحال، حيث إنه يترأس الحكومة هناك بدعم مباشر من بعض الجماعات الإسلاموية، وبعض من الخصوم الغربيين المناوئين للسيد بوتين. ولكن المشير خليفة حفتر، الزعيم العسكري القوي الذي يسيطر على المنطقة الشرقية من ليبيا ويقاوم بضراوة حكومة السراج، يتسق تمام الاتساق مع مخطط بوتين المشار إليه.
تمكن المشير حفتر من طرد الإسلامويين المسلحين من مدينة بنغازي ومن المناطق المحيطة بها، وبسط سيطرته على المحطات النفطية المهمة هناك، عزز الإنتاج النفطي للبلاد. وظل الكرملين الروسي يعزز العلاقات القوية مع المشير حفتر، حيث وجهت له الدعوة لزيارة موسكو في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ثم استقبلوه مرة أخرى على متن حاملة الطائرات الروسية الأدميرال كوزنتسوف في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، حيث عقد مؤتمرا تلفزيونيا مغلقا مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
تلتزم روسيا بقرار الحظر المفروض على الأسلحة لصالح أي قوات ليبية باستثناء حكومة السراج، وبالتالي فهي غير قادرة على توفير المساعدات العسكرية الرسمية إلى المشير حفتر. ولكن هناك تقارير غير مؤكدة، رغم ذلك، تفيد بأن الكرملين قد أبرم صفقة غير رسمية لإمداد المشير حفتر بالسلاح عبر الجزائر، وهي من عملاء الأسلحة الروسية طويلة الأمد.
ويعد هذا الأمر من المخاوف الكبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي. حيث إذا سيطر حليف مباشر للرئيس بوتين على ليبيا، فإن ذلك قد يهدد أي صفقة تتعلق بالقضية الأولى بالأهمية لديهم، وهي قضية اللاجئين. وإذا سمح المشير حفتر بإقامة قواعد عسكرية روسية في ليبيا، فإن قوة ونفوذ الرئيس الروسي في منطقة الشرق الأوسط سوف يتعاظمان إلى مستويات جديدة وغير مسبوقة.
ومن شأن ذلك أن يمهد المجال لصدام محتمل بين الاتحاد الأوروبي من جانب، وبين الرئيسين بوتين وترمب من جانب آخر. وهناك أسباب كبيرة لدى السيد ترمب تدعوه إلى تأييد المشير حفتر على السراج.
أمضى المشير حفتر 20 عاما في الولايات المتحدة، وكان يعيش في مكان غير بعيد عن مقر الاستخبارات المركزية الأميركية في ضاحية لانغلي بولاية فرجينيا، وكان يعمل على تقويض أركان حكم الديكتاتور الأسبق معمر القذافي، صديقه وحليفه القديم.
ولقد احتفل المشير حفتر وأنصاره بفوز السيد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر الماضي، حيث يعتبر الرئيس الأميركي الجديد حليفا محتملا ضد الإرهابيين.
ومن غير المرجح أن تمانع موسكو في اختبار الفرص المتاحة للتعاون مع الرئيس ترمب في ليبيا، فترمب، وعلى غرار بوتين، لا يعتقد بفرض الديمقراطية فرضا على دول الشرق الأوسط. ففي الأسبوع الماضي، نشرت وكالة الأنباء الحكومية الروسية «ريا نوفوستي» مقالا للمعلق أفيغدور إيسكين، المستشار السياسي الإسرائيلي المقرب من دوائر اليمين القومي الروسي، يؤكد من خلاله على أن إدارة الرئيس ترمب – وتحديدا الجنرال مايكل فلين مستشار الأمن القومي الجديد – لديها خطة واضحة المعالم حيال الأوضاع في ليبيا، والتي قد تتضمن التعاون الروسي من خلال المشير حفتر. وتنطوي الخطة المقترحة على بناء مجموعة من المدن الصغيرة، بدلا من مخيمات اللاجئين في ليبيا، مع بعض المصانع والمصافي النفطية العاملة.
وعلى الرغم من أن ذلك يبدو من قبيل الأمنيات الحالمة، فإن من شبه المؤكد أن يتقارب الكرملين الروسي مع الإدارة الأميركية الجديدة بمجموعة مناسبة من مقترحات التهدئة للأوضاع المشتعلة في ليبيا، وبالتالي إضعاف وجود تنظيم داعش الإرهابي هناك. ولن تكون الولايات المتحدة ملتزمة بفعل أي شيء أكثر من غض الطرف تماما عن الدعم الروسي للمشير حفتر. وكما هو الحال في سوريا، فإن عرض التسويق الروسي الفريد من جانب السيد بوتين، يشتمل على صرف النظر تماما عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع الرجال الأقوياء على أرض الواقع. وعلى العكس من أي زعيم غربي آخر، فإن الرئيس الروسي غير ملزم بالحصول على الدعم السياسي الداخلي في بلاده إزاء ذلك، فهو يعلم بالفعل كيف يحصل على دعم كهذا من خلال آلة الدعاية القوية لديه.
فإن كان الفريق الرئاسي الأميركي – ذو النزعة الإقصائية – مستعدا لخوض المخاطر والاستعانة بمصادر خارجية من روسيا، على أدنى تقدير في جزء من أجزاء الحرب ضد الإرهاب، فإن التوصل للتفاهم المشترك حول ليبيا، هو الخطوة الأولى على هذا الطريق.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»