د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

الخلاف التركي ـ الأوروبي

فتح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أكثر من جبهة في حربه ضد دول الاتحاد الأوروبي، ففي خطاب له أكد أن الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي بما في ذلك اتفاق كبح تدفق المهاجرين ستكون معرضة للخطر إذا لم ينفذ التكتل التعهدات بإعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس التركي قد هاجم ألمانيا ووصف تصرفاتها بالنازية لرفضها بعض الممارسات التركية داخل أراضيها... كما هاجم هولندا لقرارها منع هبوط طائرة وزير خارجيته على أراضيها.. كما هاجم إدارة رئيس الولايات المتحدة بسبب موقفها من أكراد سوريا.
ردت هولندا على هجوم إردوغان على لسان رئيس وزرائها مارك رونه قائلاً: أسلوبه غير مقبول وتصريحاته مجنونة. وأوضح البيان الهولندي أنهم اتخذوا قرار سحب حقوق هبوط طائرة وزير خارجية تركيا لدواعي الأمن والنظام العام. وكان وزير خارجية تركيا يعتزم المشاركة في مهرجان سياسي للجالية التركية رغم إلغاء هذا التجمع.. والهدف من التجمع هو حث الأتراك على المشاركة في الاستفتاء الذي سيجري يوم 16 أبريل (نيسان) المقبل، والذي يتعلق بتوسيع صلاحيات الرئيس رجب إردوغان.
السؤال لماذا غضب الأتراك ضد الاتحاد الأوروبي؟ هنالك أسباب كثيرة دفعت بالرئيس التركي لاتخاذ قرارات قوية ضد الدول الأوروبية، من أهمها تأكيد الأوروبيين أن الاستفتاء لإعطاء الرئيس إردوغان صلاحيات مطلقة في النظام الرئاسي الجديد الذي غير فيه الرئيس النظام البرلماني المعمول به إلى نظام رئاسي يقول عنه الأوروبيون إنه قلص فيه سلطة البرلمان وحد من حرية الصحافة والمعارضة في تركيا، خصوصاً بعد الانقلاب الفاشل في الصيف الماضي.. هذه التصرفات وصفها الأوروبيون بأنها غير ديمقراطية.
السياسة الأوروبية في منع دخول الأتراك لأوروبا أغضبت الأتراك الذين كانوا يتفاوضون للتوصل لاتفاق حول حرية سفر أهل تركيا إلى أوروبا دون تأشيرة مقابل وقف تدفق اللاجئين غير الشرعيين، وقد وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، لأن الاتحاد الأوروبي يؤكد أنه يجب على تركيا أن تلبي 72 معياراً أو شرطاً... استجابت تركيا لـ67 من المعايير التي وضعها الاتحاد الأوروبي وبقي مما يريده الاتحاد تخفيف قوانين مكافحة الإرهاب التي يصفها بالفضفاضة، هذا الطلب أغضب الرئيس إردوغان، حيث ذكر في خطاب جماهيري: منذ متى تتولون قيادة هذا البلد؟ من أعطاكم الحق؟ ورأى أن تخفيف قوانين مكافحة الإرهاب في تركيا التي تواجه تمرداً كردياً غير مقبول.
صعود تيار اليمين الأوروبي المعادي لتدفق المسلمين بأعداد كبيرة إلى أوروبا خلق موجة من الخوف من الإسلام في أوروبا، خصوصاً بعد قيام «داعش» بعدة عمليات في أكثر من بلد أوروبي، المسلمون يشكلون اليوم 12 في المائة من مجموع الأوروبيين... وبما أن عدد سكان تركيا يفوق 71 مليوناً... فمن الطبيعي أن يتخوف الأوروبيون من دخول الأتراك في الاتحاد الأوروبي، لذلك يضعون العراقيل ضد دخولهم لأوروبا. ويجب التأكيد هنا أن تركيا منذ عام 1963 وهي تحاول دخول الاتحاد الأوروبي.. لكن هنالك تخوفاً من قبولها، لأنها ليست دولة ديمقراطية، كما يقول الاتحاد. وعلى الرغم من أن تركيا قطعت مسافة جيدة في تعزيز الديمقراطية وتحسين الاقتصاد التركي في عهد الرئيس إردوغان وحزب العدالة والتنمية، لكن تداعيات محاولة الانقلاب الأخير في تركيا في الصيف الماضي، أعطت الرئيس إردوغان صلاحيات مطلقة في طرد المئات أو الآلاف من الأتراك من الجيش والمؤسسة الأمنية، كما تدخل في المؤسسات التعليمية وتخلص من المئات من الأكاديميين والعلماء المعارضين لحكمه... وتدخل في السلك القضائي والصحافة... كما أقدم الرئيس على طرد أحزاب المعارضة الكردية من البرلمان.. وطلب من البرلمان أخيراً تغيير 76 مادة في الدستور، ليصبح النظام في تركيا رئاسيًا بدلاً من برلماني.
ما يجعل البعض يقلق هو التصعيد غير المبرر من تركيا.. إذ بعد هذا التصعيد والهجوم على هولندا وجه عضو البرلمان الهولندي من حزب اليمين المتطرف غيرت فيلدرز خطاباً للشعب التركي قال فيه «حكومتكم تخدعكم بالقول بأنكم سوف تصبحون جزءاً من الاتحاد الأوروبي.. أقول لكم.. لن يتسنى لكم دخول الاتحاد الأوروبي، أنتم لستم أوروبيين ولن تكونوا كذلك. تركيا دولة إسلامية... ولا تتوافق مع القيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. أنتم صوتوا لإردوغان... دولة إسلامية.. تركيا الإسلامية غير مرحب بها في أوروبا».
هذا الخطاب اليميني المتطرف يلقى رواجاً بين الشعوب الأوروبية بسبب التهديدات التركية..
يقول الاتحاد الأوروبي إن الخلاف الحقيقي بين أوروبا وتركيا يعود إلى تخلي إردوغان عن الديمقراطية التي أوصلته إلى سدة الحكم. فمنذ إعادة انتخاب إردوغان عام 2014... بدأ يتصرف وكأنه الزعيم الأوحد ولا يريد من أحد أن يعترض على طريقة حكمه هذه.