د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

التحولات في السعودية

تشهد الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية تغيرات سريعة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وفريق عمله من شباب الأسرة الحاكمة... هذه التغيرات جريئة وشاملة لجميع مناحي الإنسان السعودي. ما بثته وسائل الإعلام العربية والعالمية هو التركيز على التغيرات الاقتصادية وما طرحه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورؤيته الاقتصادية لـ2030 ومنها تخصيص شركة «أرامكو» وغيرها من قطاعات الاقتصاد السعودي.
ما يهمنا هنا التغيرات على المستوى الاجتماعي، ومن يزُر الرياض هذه الأيام يلمس حجم التغيير في حياة المواطن السعودي العادي وتحديداً نقصد الانفتاح الاجتماعي وغياب حالات التزمت السابقة، حيث قلت أهمية جهات كانت تتعامل بشدة، وفي الوقت نفسه استحدثت هيئة جديدة مختصة تسمى هيئة «الترفيه»، وهي تهتم بشؤون الترفيه للشباب السعودي الذي يشكل الشريحة العظمى من سكان المملكة. هذه الهيئة أسست في 7 مايو (أيار) 2016.. مهمتها العناية بنشاط الترفيه، وهي إحدى الهيئات التي جاءت تماشياً مع رؤية المملكة لعام 2030 ومن مهامها تنظيم عروض الكوميديا التي ينظمها الشباب السعودي والتي يعالجون فيها قضايا مجتمعهم بطريقة كوميدية، ومن الأنشطة مسرح المواهب والفنون البصرية، وهو مجال كان غير معروف لكنه يرى النور اليوم.
الأنشطة الغنائية والفنية عادت للرياض، ومن شدة الإقبال عليها تضاعفت أسعار التذاكر التي تباع في غير أماكنها المخصصة.
الأمر الإيجابي لهيئة الترفيه هو أن نشاطها لا يتركز في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة، بل سوف يشمل معظم المدن والقرى الصغيرة في المناطق المختلفة بالمملكة.
أيضاً وصل الإنفاق على السياحة إلى 12.8 مليار دولار سنوياً، وهو مبلغ لا يستهان به ويدل على تشعب الأنشطة الترفيهية وتنوعها. وتطمح الهيئة إلى إعادة تعريف مفهوم السعادة والترفيه للمواطن والمقيم. ومن الأهداف المعلنة زيادة الإنفاق على التقانة والترفيه داخل المملكة من مستواها الحالي البالغ 2.9 إلى 6 مليارات دولار وهو ضعف الرقم السابق.
من أهم التغيرات في المملكة، حسب رأينا، هو دعم مشاركة المرأة السعودية العاملة من 22 في المائة إلى 30 في المائة، وزيادة دور مشاركة المرأة في المجتمع على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والرياضية، حيث سيقام أول مهرجان رياضي نسائي في الرياض.
الزائر للرياض اليوم يلمس هذه التغيرات رغم حداثتها بشكل ملموس، حيث ازداد عدد المطاعم الراقية في العاصمة السعودية بشكل مبهر وأصبح ارتياد المطاعم للشباب والشابات أمراً عادياً ومقبولاً، وتوفر بعض المطاعم الموسيقى الهادئة لروادها. ومن المظاهر الجديدة في الرياض انتشار المطاعم المتنقلة (كرفانات) Food Truck ، وهي منتشرة في الرياض.. الأمر المسر هو إصرار الحكومة السعودية على أن يعمل الشباب السعودي بأنفسهم، بمعنى أن شراء الأطعمة وتنظيفها وإعدادها وطبخها وبيعها مسؤولية الشباب السعودي من الرجال والنساء... لقد فوجئت بمشاهدة أفلام عبر وسائل الاتصال الاجتماعي لنساء سعوديات يعددن الطعام ويبعنه في كرفاناتهن وهن سعيدات جداً بالعمل الحر الذي يدر عليهن دخلاً ممتازاً... عمل النساء في المطاعم المتنقلة خطوة رائدة في مجتمع محافظ مثل المملكة.
هنالك أمثلة كثيرة وملموسة لا يتسع المجال لذكرها كلها، لكن كل هذه الإصلاحات تصب في اتجاه سياسة الانفتاح والتغيير في المجتمع السعودي ضمن الضوابط التي حددها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وكلها تهدف إلى تشجيع السياحة الداخلية وتشجيع المواطنين على الإنفاق داخل بلدهم.
هل تشجيع السياحة الداخلية يعني التقليل من سفر المواطنين للخارج؟ الطريف أن المواطنين الكويتيين والسعوديين يسافرون في كل فرصة تتاح لهم للخارج بحثاً عما هو غير موجود في بلدانهم، وهذا أمر طبيعي ما دامت الأغلبية من العائلات يستفيدون مما هو متاح لهم من ترفيه داخل بلدهم. هذا التغيير يشجع المواطنين على الإنفاق داخل بلدهم لتحسين الاقتصاد.
السؤال: ماذا تعني هذه التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في السعودية؟ مما لا شك فيه أن التغيرات لها أبعاد داخلية وخارجية مهمة؛ داخلياً تعني تحول المجتمع السعودي إلى مجتمع مدني يواكب عصر التنمية والحداثة بإشراك المرأة في كل أنشطته الاقتصادية والاجتماعية، ووجود الترفيه البريء سوف يبعد الشباب عن آفة المخدرات كما يبعد بعض الشباب عن التطرف والمغالاة في الدين والإرهاب.
أما على المستوى الخارجي فهي تصب في صالح المملكة في تحسين صورتها أمام العالم الخارجي.
اليوم المملكة تسابق الزمن في تحسين أوضاعها الاقتصادية بعد انخفاض أسعار النفط بتنويع مصادر الدخل... وحتى تحقق الطموحات الاقتصادية ما تأمل للوصول إليه يتطلب إجراءات وتغيرات اجتماعية وثقافية تواكب هذا التغير، وهذا ما تسير عليه السعودية اليوم.