د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

ما بعد القمة العربية

البيان الختامي للقمة العربية الـ28 التي عُقِدَت في الأردن في 29 مارس (آذار) الماضي، جاء أهم بنوده مرتبطاً بالقضية الفلسطينية التي أبدى فيها القادة قبول الحل السياسي لإنهاء أزمة فلسطين، بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وقبول حل الدولتين. أما فيما يخص الملف السوري فقد أكد القادة العرب أهمية التوصل إلى تسوية سياسية للصراع السوري المستمر منذ 6 سنوات تستند إلى قرارات مجلس الأمن.
هذه المطالب العربية المعتدلة قوبلت برفض وعدم قبول من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، حيث أكدت الحكومة الأميركية أن أولوياتها في سوريا لم تعد إزاحة النظام هناك، وأن مصير الأسد يحدده الشعب السوري، وأن مهمة واشنطن في سوريا هي محاربة إرهاب «داعش». هذا الموقف المتغير في سوريا يدل دلالة قاطعة على أن الإدارة الأميركية لم تعد تثق بدور دول الاعتدال العربية في إيجاد حل للمعضلة السورية، خصوصاً بعد انتهاء الجولة الأخيرة من محادثات السلام في جنيف من دون تحقيق أي تقدُّم ملموس لحل المشكلة السورية، حيث ركز أقطاب المعارضة على وضع تصوُّر للمرحلة الانتقالية ووضع دستور جديد لسوريا الجديدة - ركزت الحكومة من خلال وفدها في جنيف على ضرورة محاربة الإرهاب وإنهاء وجوده في سوريا.
السؤال: لماذا لا تأخذ الدول الإقليمية والدولية موقف العرب بجدية واحترام...؟ ربما يكمن السبب في كثرة الخلافات العربية وفشل جهود المصالحة العربية، فالقمة العربية لا يمكن أن تعالج القضايا الشائكة في الخلافات العربية - العربية.
الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس حول خياري المقاومة والتفاوض شجَّع الحكومة الإسرائيلية على التمادي في التوسع الاستيطاني، في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة لا يخفي قادتها نيتهم في السيطرة على جميع الأراضي الفلسطينية التي يعتبرها العدو عمقاً لدولة إسرائيل العظمى.
أكد القادة العرب دعم الحكومة العراقية في حروبها ضد الإرهاب تمهيداً لعملية سياسية شاملة لكل المكونات العراقية وضامنة لكل الحقوق. كما أكد العاهل الأردني دعم القمة لجهود تحقيق الأمن والاستقرار لليمن وليبيا ومواجهة التدخلات الخارجية في الشؤون العربية... إنه لأمر غريب أن تهمل القمة العربية قضية وحدة الشعوب واندماجها في بوتقة «المواطنة» في كل بلد عربي، إذ إن اندماج مكونات المجتمع المختلفة وانصهارها في بوتقة الوطن هو عنصر قوة وثراء لأي مجتمع إنساني، وهذا هو سبب قوة وتقدُّم الدول الغربية الديمقراطية ذات النهج العلماني.
ما يحصل في عالمنا العربي من انقسامات طائفية دينية يعود سببها إلى انتشار المد الديني المتطرف في بعض بلداننا العربية، مما ساعد على انتشار ظاهرة التطرف والإرهاب الراديكالي في المنطقة.
القمة العربية لم تتطرق ولم تعالج قضية الانقسام الطائفي في العالم العربي، خصوصاً التوتر بين الشيعة والسنَّة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، الذي أدى إلى فرز طائفي داخل مجتمعات هذه الدول، حيث أصبحت الولاءات الطائفية والولاءات السياسية أساسها عرقي أو مذهبي، وهذا الوضع أدى إلى نجاح بعض الطوائف العرقية (الأكراد) في تشكيل كيانات سياسية شبه مستقلة عن الدولة المركزية.
إهمال العرب لقضاياهم في المنطقة وعزوفهم عن المشاركة في جهود تسويتها وبذل الجهود لحلها... أدى في بعض الحالات إلى تدخُّل الدول العظمى مثل روسيا والولايات المتحدة أو الدول الإقليمية الطامحة للهيمنة على منطقتنا، مثل تركيا وإيران وإسرائيل.
الحلول السياسية لمشكلاتنا في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا أصبحت اليوم مرهونة بيد الدول العظمى سواء كانت روسيا أو الولايات المتحدة أو حلف «الناتو»... حتى في قضايانا الإقليمية أصبح البعض منا يعتمد على تركيا أو إيران في حفظ الأمن في بعض بلداننا.
لا يمكن اتخاذ موقف موحَّد لحل القضايا العالقة في حالة عدم الاتفاق على أجندة سياسية موحدة، فالخلافات تخلق شرخاً لا يمكن ترميمه في يوم أو يومين في اجتماع أي قمة عربية.