طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

مراعاة فروق التوقيت

هاني شاكر رغم وداعة ملامحه وحنية صوته حيث يشهد له سجله الحافل من الأغاني العاطفية، على مدى يتجاوز أربعة عقود من الزمان، إلا أنه يبدو دائماً مقاتلاً شرساً عندما يتعلق الأمر بالفنان المصري، ولا غبار ولا تثريب عليه، فهو نقيب المهن الموسيقية، إلا أنه في كثير من قراراته، يبدو وكأنه لا يراعي فروق التوقيت بين زمن «الأبيض والأسود» وزمن «الواقع الافتراضي»، لا يزال خطاب هاني النقيب يتوقف عند كلمة «إشمعنى»، مثلاً في العام الماضي قالها لمهرجان «جرش» الأردني عندما لم يجد فناناً مصرياً في الليالي السبع للمهرجان، رغم أن مصر شكلت في عدد العازفين والفرق الغنائية الرقم الأوفر حظاً، وهو ما كرره مؤخراً لبرامج الفضائيات، متناسياً أن «الميديا» أسقطت تماماً تلك الحدود الجغرافية، صار الفنان عربياً، وليس مصرياً أو سورياً أو تونسياً أو خليجياً، فلا أحد عندما يستضيف صابر الرباعي في برنامج يعتبره ممثلاً لتونس ولا كاظم العراق ولا نانسي لبنان، كل منهم له مساحته العربية. هذه الأيام انتقل نقيب الموسيقيين، من البحث عن نصيب مصر في المهرجانات إلى نصيبها في الحفلات الغنائية وبرامج الـ«توك شو».
وضرب مثلاً ببرنامج عمرو أديب «كل يوم جمعة» الذي يعرض في التوقيت نفسه على قناتي «one» و«أبوظبي»، متجاهلاً أن الأولى مثلاً بالغضب عدد من مقدمي البرامج الذين يحملون جنسيات أخرى متسائلين وأين نحن، أو لماذا لا نتبادل مع أديب تقديم البرنامج؟ هم طبعاً يدركون أن قانون الفضائيات، لم يعد يلقي بالاً بجواز السفر، اختيار مذيع أو مطرب في حفل أو برنامج في أي مدينة عربية، لا يخضع سوى لقانون العرض والطلب، ممكن مثلاً أن تجد عمرو دياب يقدم حفلات في دولة الإمارات العربية، أكثر من المطرب الإماراتي حسين الجسمي، والجسمي وجوده في مصر أكثر من دياب، في علاقة عمرو دياب ببرامج الـ«توك شو» ستكتشف أنه يُطبق قانون النُدرة، ليظل عزيز المنال، بينما فنان من جيله مثل راغب علامة لا يجد بأساً من كثرة الظهور، شيرين تقدم برنامجاً، وعندما تحل ضيفة، من الممكن أن تفلت منها بعض الكلمات التي تتحول في «الميديا» إلى معركة ليست في صالحها، وأنغام لو أحصيت عدد حفلاتها في الشهر الماضي فقط لاكتشفت بالورقة والقلم أنها الأكثر عربياً.
هل هناك في القاموس الآن فنان يقيم إقليمياً؟ لو راجعت مسلسلات رمضان القادم التي تنتجها شركات مصرية ولا أقول دراما مصرية، لأن هذا الأمر لم يعد في الحقيقة قائماً، حيث تتعدد جنسيات شركات الإنتاج، لو وضعت خانة الجنسية بجوار الفنان، لوجدت أن بينهم نسبة كبيرة من فناني لبنان وسوريا وتونس والعراق وغيرها، وهم في العادة يؤدون أدواراً مصرية أقصد باللهجة المصرية، والمتفرج لا يعنيه من قريب أو بعيد أبداً هذه التفاصيل، الشاشة هي المقياس، هل تفرق مع المشاهد المصري أن ظافر العابدين التونسي الجنسية؟ ويؤدي دوراً مصرياً، صدقني ولا تشغله أصلاً الجنسية.
لا أتشكك في إخلاص هاني شاكر ودفاعه المفرط عن الفنان المصري، إلا أنه مع الأسف بإقحامه سلاح الجنسية، يبدو أنه لا يزال يطبق قانون «الأبيض والأسود» في زمن «الواقع الافتراضي»... على نقيب الموسيقيين مراعاة فروق التوقيت!