راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

الأسد وهواجس «الآمنة» و«الهادئة»

ما الفرق بين «المناطق الآمنة» التي تدعو واشنطن منذ عامين إلى إقامتها في سوريا، و«المناطق الهادئة» التي اقترحتها موسكو أخيراً، وكانت موضع نقاشات جادة عند المعارضة السورية وفي أنقرة، قبل أن يتم التركيز عليها خلال اجتماعات «آستانة4» التي أعطتها اسماً جديداً، هو المناطق «المنخفضة التوتر»؟
ليس هناك حتى الآن صيغة توضيحية أو توفيقية بين «الآمنة» و«الهادئة»، لكن بين الصيغتين فُتِحت أبواب الهواجس على مصراعيها في دمشق كما في طهران، رغم مشاركة وفدين من سوريا وإيران في مفاوضات آستانة، وتأييد بشار الجعفري لهذا المقترح، انطلاقاً من مخاوف متصاعدة من احتمال التوصل إلى تفاهم أميركي - روسي يفرض الحلول في سوريا، من بوابة هذه المناطق، التي لن تكون تحت سيطرة النظام أو ساحة للتدخلات الإيرانية المتفاقمة.
يوم الثلاثاء الماضي، كان قصر المهاجرين نهباً للهواجس، عندما أكد الرئيس دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بعد اتصال هاتفي مسهب بينهما، أن النزاع السوري طال أكثر من اللازم، وأنهما اتفقا على تكثيف المشاورات بين وزيري خارجية البلدين لإيجاد حل ينهي هذه الأزمة.
وقبل أن يكشف البيت الأبيض أن ترمب وبوتين تفاهما على ضرورة أن تفعل كل الأطراف ما في وسعها لإنهاء العنف، وأنهما ناقشا موضوع إقامة المناطق الآمنة، كان الكرملين قد أصدر بياناً وصف المحادثات بأنها عملية وبناءة، وأنها ركّزت في شكل خاص على تنسيق التحركات الأميركية والروسية في سوريا، وعلى مكافحة شاملة للإرهاب.
مع وصول ستيوارت جونز نائب وزير الخارجية الأميركية إلى آستانة، وهو ما يعكس توافر مناخ مستجد من التفاهم، أشار بيان البيت الأبيض إلى أن المحادثات كانت جيدة للغاية، وركّزت على موضوع «إقامة مناطق آمنة أو ينعدم فيها التصعيد لتحقيق سلام دائم لأغراض إنسانية وعدد من الأسباب الأخرى»!
ما هذه الأسباب الأخرى؟
ليس واضحاً تماماً، كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان المقترح الروسي بإنشاء أربع مناطق هادئة سيتحوّل إلى مبادرة تتبلور عبر التفاهم مع واشنطن، خصوصاً بعدما كان هذا المقترح موضوع نقاش مستفيض بين بوتين ورجب طيب إردوغان في القمة بينهما في سوتشي يوم الأربعاء الماضي، لكن محتوى المقترح الذي كانت موسكو أبلغته شفاهة إلى المعارضة السورية، يثير كثيراً من التساؤلات التي توازي هواجس النظام السوري وحلفائه الإيرانيين طبعاً.
عملياً قبل أن تبدأ المفاوضات في آستانة كانت المعارضة السورية قد سرّبت أن موسكو قدمت لها مقترحات جديدة حول الأزمة بهدف تخفيف التوتر، من خلال إنشاء أربع «مناطق هادئة» تتوزّع بين إدلب وأرياف حلب وحماة وحمص ودرعا والقنيطرة، حيث يتم فيها حظر القصف والطيران، كذلك عدم استخدام أي نوع من الأسلحة، كما تدعو هذه المقترحات تنظيمات وقوى المعارضة إلى المساعدة في طرد تشكيلات «داعش» و«جبهة النصرة» من تلك المناطق.
ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت المحادثات بين ترمب وبوتين تطرّقت إلى عمق المقترح الروسي في شِقِّه المتعلّق بالدعوة إلى «مشاركة قوات من الدول الضامنة على الأرض للإشراف على تطبيق بنود وقف الأعمال القتالية، وتشكيل مجموعة عمل مشتركة من هذه الدول تتولى حلّ المسائل التقنية».
ما تلك المسائل التقنية؟ وهل ستضم الدول الضامنة إيران إلى جانب روسيا وتركيا وهو ما سترفضه المعارضة؟
ليس من أجوبة أو صيغ واضحة موضوعة في التداول، لكن ثمة ما يفتح نافذة واسعة على تساؤلات عميقة ومهمة، تتصل بما سبق أن أعلنه بوتين شخصياً في العام الماضي، حول صيغة الفيدرالية كمخرج وحل للأزمة السورية، خصوصاً عندما يستند المقترح الروسي إلى «الجانب الإنساني» في الدعوة إلى «تأمين مرور المدنيين بين المناطق المقترحة وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، وكذلك إيصال المساعدات الإنسانية، وإعادة تحضير البنى التحتية، وتوفير متطلبات الحياة اليومية للناس»!
مشاركة تركيا في محادثات آستانة ركّزت تحديداً على استطلاع ممثلي المعارضة السورية حول أمرين، وهما:
ما الحدود التي توضّح هذه «المناطق الهادئة» الأربع التي تقترحها روسيا؟ وهل هناك خرائط لهذا؟ ومن هي تحديداً «الدول الضامنة» التي يمكن أن تتولى الإشراف على تنفيذ هذه الخطة، خصوصاً أن المقترح يدعو صراحة إلى إرسال وحدات عسكرية من هذه الدول، للإشراف على وقف النار وتنظيم الحدود بين المناطق الأربع التي يصنّفها المقترح الروسي كما يأتي: إدلب - شمال حمص - الغوطة الشرقية - جنوب سوريا.
وكالة «سبوتنيك» الروسية ركزت كل نشاطها في آستانة على تسويق المشاورات والتحركات التي دارت حول المقترح الروسي، وعلى ترحيب وفد المعارضة به، حيث قال فاتح حسون إن اقتراحات روسيا مشجعة، وإن تنفيذها «يتطلّب من المجتمع الدولي تدخلاً أكبر، وروسيا تدعو فعلاً إلى تدخل دولي أكبر وهذا أمر إيجابي»!
وتثور الهواجس في دمشق وطهران اللتين ضاعفتا حدة القصف والتصعيد مع بداية الاجتماعات في آستانة، رغم حضور الجانبين المحادثات، خصوصاً في ظل مخاوف متزايدة من أن ينشط الحوار بين واشنطن وموسكو، على خلفية السعي إلى تظهير صيغة مشتركة بين «المناطق الآمنة» و«المناطق الهادئة»، وقوات «الدول الضامنة» التي ستتولى تنفيذ الاتفاق على الأرض، التي يكرر الأسد أنه سيحررها شبراً شبراً، في حين تفترض إيران أنها هي صاحبة القرار الفصل فيها، وسبق لها أن أعلنت أنها باتت تسيطر حتى على دمشق!
وهكذا مع تصاعد الحديث عن المقترح الروسي وتفاهم ترمب مع بوتين على ضرورة التوصل إلى حل سريع للوضع في سوريا، لم يكن مستغرباً أن تسارع إيران إلى الإعلان عن أنها ستواصل إرسال مستشارين عسكريين إلى سوريا دعماً لقوات الأسد، وفي هذا السياق تعمّد قائد القوات البرية في الحرس الثوري محمد باكبور القول مباشرة عشية افتتاح محادثات آستانة: «إن القوات البرية التابعة للحرس الثوري موجودة في سوريا لمساعدة (فيلق القدس)، وإن الدعم لا يقتصر على التخطيط فقط، وبسبب هذا يجب أن تكون القوات موجودة في ميدان القتال».
المعارضة السورية كانت قد نشرت وثيقة موقعة من الرئيس بشار الأسد في 11 أبريل (نيسان) الماضي، وجاء فيها أنه يوافق على وضع الميليشيات التي تقاتل معه تحت قيادة إيرانية مباشرة، وينصّ البند الخامس من الوثيقة على «أن تبقى قيادة أفواج الدفاع المحلي العاملة مع الجانب الإيراني موكلة للجانب الإيراني»، بما يعني أن إيران تملك حق الإمرة على هذه القطاعات العسكرية، وهو ما سيزيد حتماً من التعقيدات التي ستواجه تلك المناطق آمنة كانت أو هادئة!