عضوان الأحمري
صحافي سعودي، رئيس خدمات الديجيتال والأونلاين في صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

تاريخ التهديدات الإيرانية للسعودية

إيران دولة ورقية، ومن الصعب أن نقول كرتونية فهي أخف وأقل من هذا بكثير. ومن أدق التعبيرات تشبيهها بـ«نمر من ورق» وهذا مقارب لواقعها الاقتصادي والعسكري الهش. فهي لم تجد إلا دعم الجماعات الإرهابية، وتغذية الطائفية لدى بعض المتطرفين في المنطقة. لغتها التصعيدية، والتهديدية، تعبر عن سلوكها الثوري المنصوص عليه في دستورها. قبل أيام، هدد وزير دفاعها حسين دهقان بأن «إيران ستمسح السعودية وتدمرها كاملة باستثناء مكة والمدينة»، وذلك رداً على تصريحات ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن الرياض ستنقل المعركة إلى الأراضي الإيرانية إذا واصلت سياساتها العدوانية في المنطقة. تصريح دهقان يأتي ضمن سلسلة تهديدات كلامية منذ أكثر من 30 عاماً لم ينفذ منها أي شيء.
دهقان امتدح السعودية من حيث لا يدري، إذ قال إنها تظن أن بمقدروها فعل ما تريد بسبب امتلاكها سلاحاً جوياً قوياً ! فهو يتذكر جيداً بالطبع قصة إسقاط الطائرات الإيرانية التي حاولت دخول المجال الجوي السعودي في 1984، وعزم الرياض إرسال سرب طائرات للرد لولا تراجع الطائرات التابعة لسلاح إيران بعد رؤيتها جدية الفعل لا القول لدى السعودية.
في فبراير 1990، هدد المرشد الإيراني علي خامنئي السعودية قائلاً إن بلاده ستغلق مضيق هرمز وتسيطر على الخليج العربي وبحر العرب، وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط. 27 عاماً منذ ذلك التهديد، وخامنئي وفريقه الإعلامي ينشرون التهديدات تلو الأخرى، أشهرها في 2011 حين هددوا بأنهم سيردون رداً عنيفاً لو تدخلت السعودية أو دول الخليج في ما يحدث من فوضى في البحرين، فكان الدخول التاريخي لقوات درع الجزيرة وإعادة الاستقرار لمملكة اللؤلؤ وإنهاء حلم إيران بالسيطرة على المنامة وإسقاطها.
ماذا حدث؟ لم تستطع إيران الرد. في اليمن أيضاً، فشلت في تحقيق ضربات نوعية في العمق السعودي. استثمرت مليارات الدولارات وخزنت مئات الأطنان من الأسلحة، فأنهاها التحالف العربي في ساعات، وما يزال يواصل الإطباق على استثمارات إيران العسكرية في اليمن العربية.
تاريخ تهديدات إيران للسعودية ليس حديثاً، بل منذ الانقلاب الخميني على السلطة وتحول الجمهورية الإيرانية إلى ثورية تصدر الإرهاب باسم نصرة المظلومين ومن هم بالأساس ضحايا لبطش ميليشيات طهران في المنطقة.
إيران تتلقى الضربات بشكل متتال في سوريا، عبر الطيران الإسرائيلي، واغتيالات جنرالاتها وقادة «حزب الله». هل جاء رد مناسب من طهران؟ لا.. والسبب أنها لا تستطيع الرد ولا المواجهة المباشرة. هي تقتات على المرتزقة والمخدوعين بـ«الولي الفقيه». هذه حقيقة ليست مبالغة. أهم قياديي ذراع إيران في لبنان قتلوا في سوريا، وعلى يد إسرائيل، من دون أن تُرمى طلقة واحدة انتقامية تجاه تل أبيب.
وهذا قليل من كثير من الأحداث التي تهدد إيران بالرد عليها لكنها غير قادرة على تنفيذ أي منها. فهي لا تعلم هل تخوض معركة عسكرية مباشرة، أم تحرق السفارات وتهاجمها، أو أن أفضل حل هو استضافة قادة «القاعدة»، وفي الوقت ذاته التلويح بالحرب على «داعش». فهي دولة مؤسسة على التناقضات والتصريحات الكلامية. لديها قوة صاروخية تشبه قوة كوريا الشمالية، تنطفئ بعد دقائق من إطلاقها، فهي لا تملك تقنية متقدمة، ولا أنظمة صاروخية حديثة. وكل ما تملكه هو الكلام، وتهديداتها طيلة ثلاثة عقود ونيف أبلغ دليل.
أحد مستشاري خامنئي، وهو يد الله يشرمردي، قال في 2015 إن بلاده تسيطر على كل طرق مرور النفط من باب المندب وقناة السويس وحتى مضيق هرمز. وأحد قياديي إيران قال كلاماً مقارباً حين قال: «نحن سلاطين المتوسط والخليج والمحيط الهندي والبحر الأحمر».
ما يحدث حقيقة هو استنزاف ونزيف لثورة إيران، وهي لم تستطع مواجهة أو تنفيذ أي تهديد لها سواء تجاه دول الخليج أو غيرها. اكتشف السودان خطر التوسع الإيراني، فأغلق السفارة وطرد السفير. والجزائر، رغم الانكفاء، اكتشفت برنامجا مستمراً لنشر التشيع، فواجهته وأمرت بمغادرة دبلوماسيين إيرانيين. وقبل عاصفة الحزم، وتدمير حلم إيران بالاستيلاء على اليمن، افتتحت الجمهورية الثورية آلاف المكاتب «الثقافية»، ليس لإطعام الجوعى، بل لغسل الأدمغة، وتجهيز المساكين الذين سيصدقون ليكونوا حطباً جديداً لـ«آية الله».
هل اللهجة التي تحدثت بها السعودية على لسان ولي ولي عهدها ووزير دفاعها الأمير محمد بن سلمان كانت مناسبة للعقلية الإيرانية؟ نعم، فهي الطريقة الوحيدة لإيصال الرسالة. لهذا استفزت وزير دفاع طهران ثم بعد ذلك الرئاسة التي قالت إن تصريحات الوزير تمثل وجهة نظرها. السعودية اليوم تقود العالم العربي والإسلامي، وفي نهاية الشهر الحالي، اختار ترمب المملكة لتكون مقراً لاجتماع مع قادة العالمين العربي والإسلامي، في الوقت الذي اختارت إيران أن تكون قائدة، لكن للميليشيات الإجرامية كـ«حزب الله» و«أنصار الله» ومجموعات مرتزقة جلبتها من باكستان وأفغانستان. هذا الواقع، الذي لا يمكن أن تغيره التهديدات الكلامية لدولة ورقية.