رضوان السيد
كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية
TT

تهديد الأردن بعد تخريب سوريا والعراق

قبل أسبوعين فاجأ بشار الأسد المشهد الإقليمي بالهجوم الصاعق على الأردن، بحجة أنه يسير في مخططات أميركية ضد سلطة بشار الأسد. وردَّ الأردنيون بأنهم وخلال خمس سنوات من تفاقم الأزمة والحرب في سوريا، واقتراب المسلَّحين من حدودهم، ما دخل إلى الأرض السورية جندي أردني واحد. بل كان همّهم حراسة الحدود من المسلحين، واستقبال اللاجئين الذين طرد معظمهم بشار الأسد حتى صاروا ملايين لجهات الأردن ولبنان وتركيا. لكنْ منذ أسبوع وأكثر بدأت طلائع من الجيش الأسدي والحرس الثوري الإيراني وكتائب «حزب الله» تقترب من الحدود الأردنية وسط قصف مدفعي وغطاء جوي كثيف. وقد ردَّ الأردن بأنه لن يسمح بأن تهدد حدوده وأمنه الميليشيات الطائفية إلى جانب الإرهابيين!
وقد حصلت تطوراتٌ أُخرى لجهتي لبنان والعراق. فقد أعلن حسن نصر الله أنه سحب قواته عن الحدود مع سوريا من داخل لبنان وسلّمها للجيش اللبناني، مع بقاء قواته بداخل سوريا. وقد احتار المراقبون في تفسير تصرف «حزب الله» هذا؛ فهل كان تصرفه شكلياً أو إعلامياً باعتبار أن قوافل سلاحه الآتية من سوريا عبر العراق أو عبر إيران مباشرة تتعرض للضربات الإسرائيلية، وقد يتردد الإسرائيليون في ضرب قوافل السلاح خلال خطوط الجيش، وبخاصة أنّ الجيش اللبناني أعلن عن تسلم عشرات المراكز من الحزب بالفعل؟! أم إنّ الحزب احتاج إلى مسلحيه في «الجبهة الجنوبية» باتجاه الأردن، ولذلك أحلَّ الجيش اللبناني محلَّه، وقد كان الجيش اللبناني طوال السنوات الماضية يعمل بمثابة رديف للحزب في منطقة عرسال وما حولها، بل وفي جنوب لبنان؟
وما طال الأمر على هذا التساؤل، فقد أعلن «الحشد الشعبي» الذي صار جزءاً من الجيش العراقي عن اقتراب عسكره من الحدود السورية والأردنية بحجة طرد «داعش» وإحكام الحصار على تلعفر البعيدة نسبياً عن حدود الأردن وسوريا.
وهكذا فقد اتضح الأمر، وهو اتجاه الإيرانيين وميليشياتهم لتهديد الأردن من جهتي سوريا والعراق، مستعيضين بذلك عن الاقتراب من الحدود مع إسرائيل في الجولان والقنيطرة وجبل الشيخ، لأنّ الردَّ الإسرائيلي كان دائماً سريعاً لهذه الجهة، وبالمدفعية والصواريخ والطائرات. وقد عبّر الطرفان السوري والإسرائيلي في كل مرة عن سخطهما وقلقهما للجانب الروسي، لكنّ روسيا ما حمت الأرض السورية والميليشيات الإيرانية من الغارات الإسرائيلية. ولذا، فإنّ هذا «التقرب» الإيراني الأسدي من الحدود الأردنية، ومن المثلث الحدودي العراقي - الأردني - السوري، المقصود به تهديد الأردن بعد أن تعذر عليهم تهديد الإسرائيليين فيما بين جنوب لبنان وجنوب سوريا. ولماذا الآن؟ ربما للحذر من متغيرات السياسة الأميركية، وإمكانية تهديد النظام السوري وميليشياته الإيرانية من جهة الأردن، أو لأنّ خرائط مناطق النفوذ الخارجي في سوريا قد بدأت بالظهور والتحدد.
في المفاوضات الأميركية - الروسية المتجددة، قال الروس إنهم يريدون تعاوناً مع الولايات المتحدة في عهد ترمب في حلّ الأزمة السورية، إنما بما يحفظ «مصالحهم» في سوريا وأوكرانيا. في أوكرانيا قالوا: إنهم يريدون أمرين اثنين: وضع خاص لشرق أوكرانيا الذي فيه أقلية روسية كبيرة، ونسيان مسألة جزيرة القرم التي ضموها إلى روسيا وأنشأوا جسراً يربطها بالأرض الروسية.
ماذا يريد الروس في سوريا؟ العجيب أنهم سلّموا للولايات المتحدة بسوريا الشمالية من شرق حلب وإلى الحدود التركية، وهي المناطق التي فيها البترول وفيها المياه والزراعة القائمة على سدّ الفرات ومن حوله. ويخوض الأميركيون الآن صراعاتٍ ومفاوضات للتوفيق بين مصالح حلفائهم الأكراد، وحلفائهم الأتراك. بيد أنّ الطرفين محتاجان إلى رضا الولايات المتحدة التي اختارت حتى الآن «قوات سوريا الديمقراطية» للاستيلاء على الرقة بعد سقوط مدينة الطبقة وسدّ الفرات بأيديهم. ولا يزال إردوغان يراهن على إقناع ترمب في زيارته للولايات المتحدة، بأنّ الحلف مع تركيا الأطلسية، أجدى من الرهان على الميليشيات الكردية التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا تنظيماً إرهابياً وخطراً على أمنها الداخلي.
ومرة أُخرى: ماذا يريد الروس في سوريا، أو أين مصالحهم فيها التي ينبغي احترامها؟ الظاهر حتى الآن أنهم يعتبرون مصالحهم متركزة من قاعدة حميميم وإلى حماة وحمص والساحل باتجاه اللاذقية وطرطوس. وبالطبع، فإنّ هذه المناطق الشاسعة ينبغي أن تبقى تحت سيطرة النظام الموالي لروسيا، وهو حتى الآن نظام الأسد. وفي هذه المناطق وجوارها تقع معظم مساحات المناطق الأربع التي تسميها روسيا مناطق خفض التوتر. ومع أنّ المعلن أنّ هذه المناطق سيتوقف فيها القتال، لكنّ المنتظر أن يجري قضمها من جانب النظام السوري والروس بحيث تخضع بالكامل لسيطرة النظام الظاهرة بالمصالحات أو بالتهجير أو بهما معاً.
وسط هذه الخرائط المتبلورة لتقسيم سوريا مناطق نفوذ، ماذا يبقى لإيران التي استثمرت استثماراتٍ بالغة الهول بالمال والأرواح في النزاع السوري؟! تتحدد منطقة النفوذ الإيرانية أو ما يتوقعه الإيرانيون: من جوار حمص وإلى القلمون ودمشق باتجاه الحدود الأردنية، وهي المناطق التي صارت تُعرف بالجبهة الجنوبية. وفي هذه المنطقة الممتدة على مساحة أكثر من مائتي كيلومتر تقع ضواحي دمشق الغربية التي تُخلى الآن من سكانها كما حصل ويحصل بالزبداني ومضايا والقابون ووادي بردى الذي يُزوّد دمشق بالمياه. ولذا، فإنّ الإيرانيين يتمددون الآن باتجاه الجنوب إلى الحدود الأردنية، ويلاقيهم حلفاؤهم في العراق بالاتجاه إلى الحدود السورية والأردنية، التي يقصفها الطيران العراقي بحجة إخلائها من «داعش». ويساعدهم في ذلك ثلاثة أو أربعة آلاف من مقاتلي «حزب الله» الذين تركوا دواخل لبنان الحدودية لرديفهم وحليفهم الجيش اللبناني العظيم المنهمك من رأسه إلى أخمص قدميه في مكافحة الإرهاب!
كل المشاركين في الحرب السورية، يحاولون الآن تحويل مناطق قتالهم أو نفوذهم أو طموحهم إلى خرائط على الأرض. وقد تحددت بعض الخرائط، وهناك خرائط أُخرى تتجه إلى التحدُّد. وما عادت للمسلحين السوريين قوى معتبرة تستطيع المقاومة أو حتى انتزاع منطقة والاستقلال بها مثلاً. وهذا إذا استثنينا منطقة إدلب وجوارها حيث يُرجَّح أن تتآكل بسبب وجود «جبهة فتح الشام» فيها. أمّا مناطق العلوشيين («جيش الإسلام») بشرق دمشق وبعد أن تهادنوا مع النظام لسنوات، فهم يشتبكون الآن مع «فيلق الرحمن» حليف المتطرفين؛ كما يقال، ربما لتسهيل دخول قوات النظام السوري وميليشياته إليها!
جنوب سوريا إذن فيما بعد دمشق ودرعا وبجوارها، يراد له أن يكون حصة إيران. في حين يبقى الجولان منطقة حماية إسرائيلية، وفيه خليط من الداعشيين والنصرويين وقوات النظام السوري يعيش بعضهم بجوار بعض بسلام، باستثناء مناوشات تضبطها إسرائيل. وقد نجح النظام حتى الآن في إبقاء سيطرته على ما وراء الجولان من جبل الدروز أو جبل العرب. فيا لسوريا، ويا للعرب!