مايكل دوران
TT

ترمب... فرصة لرؤية بعيدة المدى

خلال حملته الانتخابية، بدت سياسة دونالد ترمب تجاه الشرق الأوسط كأنها تبدأ وتنتهي بتعهده بزلزلة الأرض من تحت أقدام تنظيم داعش، وهو التعهد الذي أتى ثماره وسط قاعدة أنصاره، لكنه شوش تفكير خبراء مؤسسة السياسة الخارجية الذين شعروا بالقلق من أن تكون الأضرار الجانبية قد تشمل كل شيء عملت الولايات المتحدة على بنائه في المنطقة. فتلك المؤسسة منحت نفسها مصداقية كبيرة، فسياستنا في الشرق الأوسط تسببت في انفجارات بمنطقة الشرق الأوسط لفترة معتبرة. وفي الوقت الذي يقوم فيه ترمب بأولى رحلاته الخارجية، التي تشمل محطات في منطقة الشرق الأوسط أولاها السعودية، فهناك فرصة أمامه لصياغة رؤية بعيدة المدى، والخطوط العريضة لتلك السياسة جاهزة بالفعل. وعلى الرغم من الجدل الدائر في الداخل، قد يخرج ترمب بإنجاز يحمل اسم مذهب ترمب في الشرق الأوسط.
فالشرق الأوسط معقد، لكن سلف ترمب تعثر في خطاه هناك لسبب واحد هو التعامل مع ظهور إيران. وكمسؤول كبير في إدارة جورج بوش، رأيت بعيني كيف أن مشروع الرئيس بوش الديمقراطي في العراق حول الانتباه بعيداً عن إيران وعن وكلائها. ويبدو أن بوش اعتقد أن الديمقراطية الغليظة في العراق ستكون بمثابة المتراس أمام التطرف، وكذلك أمام صعود القوة الإيرانية. وفي النهاية انزلقت إيران تجاه العراق أمام ناظري بوش، لتفسد المشروع الأميركي، حيث قامت بتجنيد وكلاء مسلحين لرعاية مصالحها هناك.
فقد سمح بوش لإيران بالدخول في حساباته الخاطئة، والرئيس باراك أوباما، على النقيض، قابل السطوة الإيرانية بأيادٍ ممدودة، ليس فقط في العراق، بل في سوريا أيضاً. فقد تجاهل أوباما جهود احتواء إيران وفكر في الاتفاق النووي ليسمح للغرب بتطبيع علاقاته معها، لأنه كان على قناعة بأن الاعتراف بالنفوذ الإيراني سوف يقنع طهران بالعمل شريكاً لعودة الاستقرار للعراق وسوريا. لكن هذا كان خطأ آخر، حيث تسبب ذلك مباشرة في تأسيس التحالف الإيراني الروسي في سوريا.
ومثلما فعل الرئيس بوش، بذل أوباما أيضاً جهداً كبيراً لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو الجهد الذي يستحق العناء، لكنه من دون فائدة، حيث تسبب في مزيد من تشتيت الانتباه بعيداً عن معالجة مشكلة التغول الإيراني في المنطقة، ومن بعده تغول روسيا هناك.
لا نزال غير ملمين بالتفاصيل الكاملة لنهج ترمب في الشرق الأوسط، لكن تصميمه على العمل بروح الجماعة وسعيه إلى مراجعة مبادئ السياسة الخارجية يعطي الفرصة لتبديد كثير من الأفكار الخاطئة، التي أدت إلى التخبط الاستراتيجي الذي نشهده الآن.
أولاً، من الخطأ القول إن «القوة الأميركية الناعمة» هي مفتاح استقرار المنطقة، فمبادئنا التي ننادي بها، مثل نشر الديمقراطية، ستعمل في صالحنا لو أننا عملنا على استعادة النظام أولاً، وهو المشروع الذي يعتمد على القوة الأميركية الخشنة. هناك أيضاً نقطة مهمة، وهي أن استخدام القوة لا يؤدي بطبيعته دائماً إلى نتائج عكسية. لننظر مثلاً إلى الحملة الروسية على سوريا التي أظهرت أنه عندما تكون القوة في يد رجل حاذق تكتيكياً مثل الرئيس فلاديمير بوتين، فإن التفوق العسكري لا بد أن يؤتي بثماره.
ثانياً، سنخدع أنفسنا إن اعتقدنا أنه بمقدورنا صنع شرق أوسط جديد من دون أعداء، ومن الخطأ أيضاً أن نعتقد أنه بمقدورنا سحب روسيا بعيداً عن إيران وسوريا. فالاضطرابات بينهم ليست ذات أهمية مقارنة بالمصالح المشتركة المترتبة على مساندة نظام بشار الأسد وتأكل النفوذ الأميركي.
في النهاية، فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس هو مركز الجاذبية في الشرق الأوسط، ولم يأتِ أوان حله بعد. ومن غير الواضح أن ترمب يدرك كل تلك الأفكار الخاطئة المتعلقة بهذه المسألة، وإن أدركها، فسوف يقترب كثيراً من اللعبة.
لكن الاعتراف بالأخطاء ليس سوى الخطوة الأولى، والخطوة الثانية تتطلب رفض الإغراء الذي استجاب له أوباما عندما اعتقد أن الانتصار على «داعش» هو الهدف الأسمى. فإن هزم ترمب ذلك التنظيم وفشل في بناء تحالف مستقر في المنطقة، فلن يستمر انتصاره طويلاً، وسوف ينهض تنظيم داعش جديد من بين الأنقاض، وستستغل روسيا وإيران الفوضى اللاحقة.
الخطوة الثالثة هي بناء ذلك التحالف، فالأردن ومصر والإمارات بمقدورهم المساعدة، فحلفاء الولايات المتحدة وحدهم سيتمكنون من بسط نفوذهم وعلى رأسهم السعودية.
فبالتوجه للمنطقة، فإن الرئيس ترمب يشير بوضوح إلى أهمية تلك الحقيقة الناصعة. وينبغي على ترمب الآن أن يستند إلى تلك الحقيقة ويقوم بتأسيس ما يمكن أن نطلق عليه «مذهب ترمب» بالاعتماد على حشد دعم الحلفاء التقليديين في مواجهة إيران.
فمثل هذه الخطة التي تعتمد على العمل الشاق لتأسيس وصيانة تحالف لا تبدو بالفكرة الفاتنة ولا الملهمة، لكن فن الحكم يتطلب الاعتراف بحدود الممكن. فالخيارات في الشرق الأوسط محصورة بين السيئ والأسوأ، وقد وعدنا ترمب بعدم الحياد عن الواقعية، ونحن نتمنى أن يفي بذلك الوعد.

*خدمة «نيويورك تايمز»