راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

التحالف التاريخي من {كوينسي} إلى الرياض

التحالف التاريخي الذي بدأ قبل 72 عاماً على متن الطرّاد «يو إس إس كوينسي»، بين الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت، يتجدد بقوة وعمق، لكن هذه المرة فوق بحر من الحضور الإسلامي والعربي، الذي حشده الملك سلمان بن عبد العزيز للقمم الثلاث مع الرئيس دونالد ترمب.
وإذا كان ما عُرف باتفاق كوينسي (Quincy pact) أرسى التحالف بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، والذي توسّع لاحقاً ليشمل دول الخليج، وينعكس على قوى الاعتدال في العالم العربي، فإن القمم اليوم في الرياض ستعمّق قواعد هذا التحالف وتوسّعه انطلاقاً من البوابة السعودية ليشمل العالمين العربي والإسلامي.
ليس أقل من أن يوصف هذا الحدث بالتاريخي وغير المسبوق بكل المقاييس، عندما يحشد خادم الحرمين الشريفين خمسين دولة عربية وإسلامية، تشارك في ثلاث قمم مهمة وحاسمة، تعقد على مفترقات وعند تطورات ساخنة تضج في الإقليم وتعصف بالعلاقات بين الأمم، وليس بالتالي من يعيد ضبطها غير المرجعيتين، مرجعية المسلمين والعرب أي السعودية والمرجعية الدولية الأقوى أي الولايات المتحدة.
وهكذا لم يكن غريباً كل هذا الاهتمام والتركيز، اللذين سبقا وصول ترمب وعقد القمم الثلاث، الأولى ثنائية بين البلدين، والثانية إقليمية مع دول مجلس التعاون الخليجي التي هي في نسيج التحالف مع واشنطن، والثالثة عربية إسلامية شاملة في غاية الأهمية.
منذ اللحظة الأولى أُعطيت المناسبة ما تستحق من الاهتمام والتركيز، ففي الخامس من مايو (أيار) الحالي وقف ترمب أمام البيت الأبيض، وألقى خطاباً قال فيه: «يسرني اليوم وبكل فخر أن أشارككم هذا الإعلان التاريخي، أن أولى رحلاتي الخارجية منذ توليت رئاسة الولايات المتحدة ستكون إلى المملكة العربية السعودية... إنها زيارة تاريخية ومهمة ستتضمن اجتماعاً تاريخياً بقادة من مختلف العالم الإسلامي... ومن السعودية وهي الراعية لأقدس بقعتين لدى المسلمين، سنؤسس لعهد جديد من التعاون مع حلفائنا في الدول الإسلامية».
ولأن السعودية كانت سبّاقة في تشكيل التحالف العسكري الإسلامي الذي يضمّ 34 دولة للعمل على ردع الإرهاب ومواجهة التنظيمات المتطرفة، ليس غريباً أن يأمل ترمب ببناء ائتلاف ضد الإرهابيين والمتطرفين من حلفاء أميركا في الشرق الأوسط، وأن تكون الأولوية في هذا لقائد هذه الجبهة ومؤسسها أي للمملكة العربية السعودية.
جاء هذا الإعلان مدوياً على المستويات العربية والإسلامية والدولية، من منطلق إسقاط كل ما تردد عن معاداة ترمب للعالم الإسلامي، والأهم من منطلق الحاجة الملحة إلى إعادة تصويب مسار العلاقات بين واشنطن وحلفائها التاريخيين في الخليج بعد حقبة باراك أوباما، الذي وضع كل بيضه في سلال الإيرانيين، ليكون بالتالي هو «الراكب المجاني» الوحيد في سياق العلاقات العميقة بين واشنطن وحلفائها الخليجيين.
كان هذا إعلاناً صريحاً عن أن ترمب يعتبر السعودية مفتاح السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وأنها البوابة الوحيدة والأفضل للعبور إلى العالمين العربي والإسلامي وتصحيح مسار العلاقات، بعدما حاولت إيران من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، سحب صورة الإرهاب و«داعش» و«القاعدة» على الإسلام، الذي حاول الإرهابيون اختطافه وتشويه صورته، في حين أنه كان يستهدف الدول والمجتمعات الإسلامية، لكن نجحت السعودية في محاربته واستئصاله، وكانت الأنجح على هذا الصعيد باعتراف العالم.
عشية وصول ترمب إلى الرياض كان الملك سلمان قد حشد العالمين العربي والإسلامي لهذه المناسبة التاريخية، حيث تشارك فيها خمسون دولة، مؤكداً في جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي، أن القمة العربية الإسلامية الأميركية تأتي في ظل تحديات وأوضاع دقيقة يمر بها العالم، وأنه يأمل في أن تؤسس لشراكة جديدة في مواجهة التطرف والإرهاب ونشر قيم التسامح والتعايش المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار والتعاون خدمة لحاضر شعوبنا ومستقبلها.
وفي حين كانت الرياض توزّع الدعوات على القادة العرب والمسلمين لحضور القمة، كانت واشنطن تطلق سلسلة متلاحقة من المواقف والتصريحات، التي ركّزت أولا على أهمية علاقات التحالف مع الرياض، وثانياً على أهمية عقد هذه القمة في السعودية، حيث سيلقي ترمب خطاباً، قال مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر يوم الثلاثاء إنه يتضمن «رؤية سلمية للإسلام»، يسعى من خلاله إلى التأكيد على التزام واشنطن تجاه شركائها المسلمين، ويهدف إلى التعاون معهم في مواجهة أعداء الحضارة الإرهابيين الذين نجحت السعودية في محاربتهم، وحيث سيشارك في افتتاح مركز «محاربة التشدد والترويج للاعتدال».
وكان مسؤولون في البيت الأبيض قد أعلنوا في الخامس من مايو أن اختيار السعودية لتكون أولى محطات ترمب الخارجية، يعكس المكانة المهمة للمملكة، ويؤكد وجود توافق عميق بين الطرفين ورغبة مشتركة في تحقيق الأمن والاستقرار وتحقيق السلام، ووضع حلول طويلة الأجل للمشكلات التي تواجه المنطقة، وأن النقاش سيركّز على مكافحة الإرهابيين والمتطرفين، وكذلك على أهمية التصدي للسلوك الإيراني الذي يعمل على زعزعة استقرار المنطقة، وتحقيق شراكات جديدة تحسّن من مستوى الأمن والاستقرار الإقليميين.
وفي هذا السياق أوضح وزير الخارجية ريكس تيلرسون لقناة «إن بي سي» أن من أهداف زيارة ترمب إيجاد تحالف ضد سياسات إيران، وأن الوقوف في وجه طهران ليس بالضرورة ضد مذهب، لكن هناك إجماعاً في كل دول المنطقة حول أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار، من خلال دعمها للإرهاب والتطرف، وهو ما سبق أن أكّده نائب الرئيس مايك بنس، وكذلك وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي يركّز تحديداً على ضرورة التصدي لدور إيران ونشاطاتها الإرهابية التي تمارسها في الشرق الأوسط.
عشية وصول ترمب إلى السعودية كان لافتاً أن يتعمّد مسؤولون في البيت الأبيض الكشف عن سلسلة من صفقات الأسلحة لمساعدة المملكة في تعزيز دفاعاتها، وتشمل سفناً تتعلق بالدفاع الجوي الصاروخي والأمن البحري، لكن الأهم أن الصفقة ستشمل مثلاً بطاريات من نظام الدفاع الصاروخي «ثاد»، الذي تنشره أميركا في كوريا الجنوبية، وهو ما يؤكد أن واشنطن تتعامل مع الرياض كحليف استراتيجي ومرجعية إقليمية تلعب دوراً محورياً في المنطقة، وعلى صعيد التوازنات الدولية الضرورية والمهمة سياسيا وأمنياً واقتصاديا.
من المدمرة كوينسي عام 1945 إلى الرياض سنة 2017، يتجدد ذلك التحالف الذي لعب دوراً أساسيا في مسار ومصير المنطقة والعلاقات بين الشرق والغرب، وإذا كان فرنكلين روزفلت اجتمع مع الملك عبد العزيز على متن مدمرة، فإن الملك سلمان يجتمع مع دونالد ترمب في الرياض، وسط بحر من الحضور العربي والإسلامي، له دوره الحاسم في العلاقات بين الأمم وفي التوازنات الدولية وفي حفظ الأمن والاستقرار.