إميل أمين
كاتب مصري
TT

ترمب والعرب حقيقة جديدة

لا شك أن رئاسة دونالد ترمب تضعنا كعالم عربي بنوع خاص أمام حقيقة جديدة لا يمكننا إنكارها، وهي أميركا الشريك والصديق، التي تؤثر في الآخرين بنبلها وفضيلتها، بنموذجها كمدينة فوق جبل، لا بقوتها وجبروتها العسكري أو الاقتصادي.
في التحليل الموضوعي لكلمة الرئيس ترمب أمام قمة العالم الإسلامي نجد خطابا مغايرا ولغة تسامحية وتصالحية مثيرة للتأمل، فالرجل يتحدث عن الصداقة والأمل، وبناء الشراكات الجديدة، والسعي إلى السلام.
لم يتقمص ترمب دور شرطي العالم، ولم يصدح بأميركا الضرورة الحتمية للعالم، لا سيما العربي والإسلامي منه، ورأيناه يقر بأن بلاده لا تسعى لفرض طريقة حياتها على الآخرين، وعوضا عن ذلك ستمد يدها بروح التعاون والثقة.
ترمب جاء للعالم العربي ولديه ميزة استراتيجية عن سابقيه من رؤساء أميركا، وهي أنه «صانع استراتيجية نصره بنفسه»، وهذه حقيقة لا أحد يحاجج فيها، ولهذا هو غير مدين لأحد في الداخل الأميركي إلا للناخب ولرجل الشارع الأميركي، الذي سئم من فساد المؤسسات السياسية والحزبية الأميركية التقليدية، ولهذا رأينا وحدة توجه في خطابه فما قاله في الرياض عن فرصة للسلام في الشرق الأوسط، هو عينه الذي ردده في تل أبيب، ومشددا بنوع خاص على الدور المهم والحيوي الذي يقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في زخم النوايا الطيبة لإحلال السلام وإنهاء الخصام.
ترمب رئيس متحرر من ربقة الاستعلاء الأميركي، حتى وإن كان يبحث عن صالح ومصالح بلاده، إنما في إطار من البراغماتية المستنيرة، والنرجسية الإيجابية، أي حب الآخرين من خلال توقع مردود جيد للنفس، ولعله كان يخاطب الناخب الأميركي بقدر ما كان يتحدث إلى العالمين العربي والإسلامي.
عبر القمم الثلاث التي شهدتها الرياض رسم ترمب صورة لأميركا الواضحة، وربما هذه فضيلة أخرى توافرت له انطلاقا من كونه رجلا قادما من خارج الدائرة الكلاسيكية للسياسيين الأميركيين، وعليه فهو لا يجيد التلاعب بمصطلحات من نوعية الغموض الإيجابي الذي عزف عليه الصديق هنري كيسنجر طويلا في سبعينات القرن الماضي، واعتبر على سبيل المثال أن الزمن كفيل بحل القضية الفلسطينية، وكذلك لا دالة له على تعبيرات من نوعية الفوضى الخلاقة، التي فتحت بوابات الجحيم على دول العالم العربي، وبعضها ومن أسف لا يزال فاغرا فاه، والبعض الآخر موارب ينتظر الأسوأ، ولهذا فإن ترمب، وإن رآه البعض رئيسا غير متوقع، إلا أن الحقيقة من دون جدال هي أننا أمام رئيس واضح المعالم والملامح، والتعاطي معه قد يكون أيسر كثيرا جدا، بل أنفع وأرفع من الوقت الذي ضاع مع سلفه.
مثير جدا شأن التاريخ وأحاجيه مع الرؤساء الأميركيين خاصة، فدائما ما ينظر إلى البعض منهم في أوائل رئاسته بأنه سيضحى رئيسا ضعيفا، ولن يضيف شيئا لبلاده أو لشعبه، غير أن الأحداث أثبتت في ما بعد أنه كان واحدا من الرؤساء الذين بلغوا لاحقا مرحلة من العظمة، كما يقول السير نايجل هاملتون.
حدث ذلك مع الرئيس الأميركي رونالد ريغان، الذي تعاطى معه عظماء واشنطن من السياسيين الكبار بوصفه «مشخصاتيا» (ممثلا) قادما من أروقة هوليوود ومن صفوفها الثانية والثالثة لا أكثر، فيما الأقدار كانت تعد له دورا رائدا، لينهار الاتحاد السوفياتي في زمانه، ويحسب فيما بعد واحدا من أهم الرؤساء الجمهوريين الأميركيين في التاريخ الحديث.
ها هو دونالد ترمب الذي بدا ترشحه للرئاسة الأميركية أقرب ما يكون للمزحة السياسية، يخوض وبقوة غمار الشرق الأوسط الذي خشي أوباما من فخاخه وألغامه، وراهن بأن التاريخ الأميركي سيسجل اسمه في سجل القياصرة عبر الصفقة مع إيران، وهو ما لم ولن يحدث، فيما يسعى ترمب لينهي صراع الشرق الأوسط ليصبح القيصر ترمب، وساعتها سيستحق الرجل اللقب بجدارة.
نجحت القمم التي احتضنتها الرياض نجاحا منقطع النظير، والآمال معقودة كثيرا جدا على ترمب، غير أن هذا كله يجب ألا ينسينا النظر إلى واشنطن، لا سيما وأن دعاة الفوقية الإمبريالية الأميركية يترصدون الرجل في حله وترحاله، وهناك من يريد قطع الطريق عليه.