سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

قطر العزيزة... لا للتغريد خارج السرب

القصة تجاوزت التصريح بمسافات ضوئية، بل تجاوزت حدود مجلس التعاون، دور الضحية التي تعرضت لمكيدة والكل يهاجمها ممكن أن ينفع لالتقاط الأنفاس ولتحويل الأنظار إنما لفترة وجيزة، إنما ما تلبث الدلائل والقرائن المتعلقة بالسياسات وبالوقائع لا بالتصريحات هي التي ستصدم الشعوب الخليجية والعربية صدمات أكبر من صدمة فبركة التصريح. أعزاءنا في قطر؛ أنتم أعز علينا من أن نستصغر عقولكم فنكذب أو نخاطبكم بوجهين، نحن نحترمكم ونحترم أهلاً لنا وإخوة وأصدقاء في قطر.
لنسلم معكم أن التصريح مفبرك، وأن من فبركه سينال عقابه، انسوا التصريح و«لنتفاكر» في توحيد الصف، وفي الانسجام والتوافق بشكل جدي، لا من أجل مصلحة منظومة دول مجلس التعاون، إنما من أجل مصلحة قطر الحبيبة، فالهجمة على قطر أصبحت دولية الآن لا خليجية فقط، على قطر استيعاب المتغيرات الدولية، وعلى رأسها المتغير الأميركي، إنه متغير في الاتجاه المعاكس فعلاً لا برنامج تلفزيوني.
إيد روس رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس جاد في مشروعه لفرض عقوبات على قطر، والمؤتمر المنعقد الأربعاء الماضي حضره وزير الدفاع السابق وعدد كبير من المسؤولين، إيد روس لا علاقة له بالتصريح إنما بالوثائق والأدلة التي تملكها أجهزة الاستخبارات الأميركية.
ودول أوروبية تناقش فرض عقوبات على قطر، وتلك العقوبات أيضاً ليست بسبب التصريح، فلم يسمعوا به، العقوبات بسبب سياسة ومواقف اتخذتها قطر، وحين ستناقش لجان الكونغرس تلك الاقتراحات بالمقاطعة سيطرح مقدموها مبرراتهم، وبالتأكيد ستفتح ملفات قديمة. التصريح صدر بعد انعقاد هذا المؤتمر، الأمر إذا أصبح خارج نطاق دول مجلس التعاون، فالجهات التي تتعاطى قطر معها أصبحت على قائمة الإرهاب الدولية، فإن غضت أميركا الطرف قديماً عن علاقة قطر بتلك التنظيمات، فإن التبدلات في السياسة الأميركية لها تبعاتها المغايرة.
أتمنى أن تستوعب الحبيبة قطر هذا المستجد على الساحة الدولية، أما التعويل على أن إزاحة ترمب متوقعة أو أن عودة السياسات الأميركية السابقة ممكنة، فهو تعويل غير منطقي يبني استراتيجية دفاعية على افتراض بعيد المنال.
لذلك، ما عادت الازدواجية في السلوك القطري قابلة للإقناع، فإن أقنعتنا فإنها لن تقنع أعضاء التحالف الدولي، أي أنه لا يمكن الاستمرار بعضوية التحالف الدولي ضد الإرهاب واستمرار العلاقة مع إيران وأذرعها الإرهابية كـ«حزب الله» أو مع «جبهة النصرة» في الوقت ذاته، فالتحالف الدولي سيوسع نطاق حربه وستدخل إيران في الحسبة، ولا يمكن الاستمرار في التحالف العربي والإسلامي لإعادة الشرعية في اليمن والتعاطي مع إيران في الوقت ذاته واعتبارها صديقاً وهي من تمول الحوثيين، لا يمكننا نحن الذين نحب قطر أن نقبل أو نستوعب أو نفهم هذا التضارب، فكيف ستشرح قطر للعالم تلك الازدواجية؟ قطر أحوج ما تكون إلى إخوتها، ساعدونا كي نساعدكم.
لا حصن لقطر إن حجت حجايجها غير الشعب الخليجي، فعلى ماذا يعول الإخوة في قطر إن هم غردوا بعيداً عن عمقهم الاستراتيجي؟ هل الانفراد والاستقلالية هدف بحد ذاته؟ هل الاستقلالية لمجرد الاستقلالية؟ آمنا بالله... حتى اللاهدف هو أيضاً هدف مشروع أحياناً، وليكن قرار الاختلاف مع خط الوحدة الخليجية رغبة في الاستقلالية والحرية هدفاً بحد ذاته لقطر، لا بأس... سنتفهم سنقبل وستظلون إخوة وأحبة، إنما لِمَ اختيار التحالف مع من هم أعداء وخصوم لنا وللمجتمع الدولي؟ ذلك انتحار سياسي، أين تكمن المصلحة القطرية في هذا الخيار؟ في عز حربنا مع إيران وفي الوقت الذي تهاجم فيه إيران البحرين والمملكة العربية السعودية وحين يصنف العالم إيران رأس الإرهاب، تأتي قطر فتفتح ذراعيها لها باتفاقيات أمنية! وتنشر لوزير خارجية إيران مقالاً يهاجم فيها دول المجلس؟ ويلتقي وزير الخارجية مع المجرم الأشِر قاسم سليماني! انسوا التصريح، فإنكاره ممكن، ولعب دور الضحية عامل مساعد ممكن، إنما كلها لا تعدو أن تكون مسكنات، الأفضل هو الاستعداد الذي لا بد أن يكون واقعياً ويبدأ أولاً باستيعاب المتغيرات الدولية، ومن ثم بناء خطة دفاعية مبنية على ذلك الاستيعاب لا على افتراضات غير واقعية، الحل يبدأ باللجوء للعمق الاستراتيجي والقناعة بأن استمرار السياسة السابقة ستكون لها تبعات خطيرة، لا على مستوى العلاقات الخليجية - القطرية، إنما على المستوى العلاقات الدولية مع قطر.
قطر تعلم واستشعرت ذلك الإعصار منذ فوز ترمب، لكنها أجّلت الحل، ثم رأت الإعصار في القمة الإسلامية - الأميركية، لكنها أجلت الحل، أتمنى أن تفكر قطر فوراً بالحل الجذري ولا تقف عند «كسب الوقت» بالضجيج هدفاً.
من محبتنا لكم نقول هذا الكلام... رغم أن البحرين إحدى الدول التي تعرضت للأذى من تلك السياسة القطرية، لكننا نملك من القدرة على الإيثار وتقديم المصلحة العامة لدول مجلس التعاون ما يجعلنا نلقي بهذا وراء ظهرنا، ونتطلع لتوحيد الصف والمضي معكم قدماً لما فيه الخير لشعبنا الخليجي، ساعدونا كي نساعدكم...