سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

أرقام للتصحيح لا للنقاش

يثير الدكتور سعد الدين إبراهيم، عالم الاجتماع المصري الشهير، جدلاً حول كتاباته وآرائه منذ فترة طويلة، وهو في الغالب، جدل سياسي حماسي وغير علمي. لأن العلم أرقام وحقائق. وللجميع الحق في رفض المواقف، أو اعتراض الآراء، أما مناقشة الحقائق، فتتطلب حقائق، والأرقام العلمية تتطلب بحثاً علمياً.
وهذه مناسبة للاعتذار من الرجل الذي كان بين تلامذته محمد حسنين هيكل، وسوزان مبارك ونجلاها. فقد أسأت إليه الأدب مرة – وإلى نفسي – عندما ختمت مقالاً عنه بالقول: «احترم شيبتك». والرجل ليس في حاجة إلى نصائحي أو أوامري. إنها من الأخطاء التي لا أنساها ولا أسامح نفسي عليها.
كتب الدكتور إبراهيم أن في مصر خمسة ملايين طفل ما بين التاسعة والخامسة عشرة، تائهون في مدن مصر، بلا مأوى أو مدرسة، أو أي رعاية كانت. أي أكثر من عدد سكان لبنان. وهذا رقم مأساوي كارثي مفزع، سواء كان أقل قليلاً أو أكثر قليلاً.
يعزو السبب الأساسي، أو الأول، إلى كثرة الطلاق. وهذه ظاهرة عالمية ليست وقفاً على مصر. وآثار الطلاق على الأبناء متشابهة مهما تفاوتت الفروق الاقتصادية. وليس دقيقاً أن الدين يسهل الطلاق لأن الطلاق المدني في أوروبا وأميركا أكثر سهولة. والمسؤولية هنا ليست على الدولة، ولا على الأزهر، بل على الارتخاء المتزايد في الروابط وأواصر البيوت. فالزوجان اللذان يبذلان مزيداً من الصبر والتحمل والمشاركة، يوفران على نفسيهما، وعلى المجتمع، وعلى ملايين الأبناء، هذا الحجم من البؤس والعذاب.
الزواج المثالي لا وجود له إلا في الأحلام، لأننا بشر، وتجارب الدنيا كثيرة وخطيرة. لكن الأنانيات دمار للعائلة. والمؤسف أن السلوك العائلي تغير في بلدان عربية كثيرة، منها لبنان. وكذلك مفهوم العائلة. ويجب ألا نترك هذه الظاهرة المرعبة للمصادفة والزمن مثل، الطرقات المحفرة والمستشفيات الموبوءة والمياه الملوثة. إن خمسة ملايين مصري، في هذه الفئة العمرية، ليسوا أقل من خمسة ملايين مشرد سوري في بلاد العالم.
هذه أرقام لا معنى لها في بلداننا وما من يلتفت إليها. نحن نحصي فقط عدد الضحايا الذين تُذكّرنا بهم نشرات الأخبار. أما سائر الأرقام والإحصاءات، فلا معنى لها. ومنها عدد دور الرعاية أو مستوياتها. هذه هي التفجرات الأكثر خطورة: أن ينشأ جيل يائس حتى من أهله، وغاضب حتى عليهم. اليتم قدر، أما الإهمال فسوء وأنانية وعمل غير إنساني. وما لم نقر بخطورة وقسوة هذه الظاهرة، فلن ندرك مدى فظاعة الحال وسوء المصير.