مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الجوع الكافر

تكتظ مساجد وشوارع المدن العربية والإسلامية في هذا الشهر الكريم (رمضان)، بالموائد التي يطلق عليها بعضهم (موائد الرحمن).
ففي مصر على سبيل المثال تشير التقديرات الحكومية، إلى أنه يوجد ما لا يقل عن (13) ألف مائدة، وعادة ما يفيض عن هذه الموائد كميات هائلة من الأطعمة.
وتشير تقديرات جمعية حماية المستهلك في السعودية إلى أن نسبة الهدر في المواد الغذائية في المملكة وبقية دول الخليج تتراوح بين 50 و30 في المائة خلال الأيام العادية، ترتفع هذه النسبة بطبيعة الحال في شهر رمضان.
وفي مدينة مثل أبوظبي تشكل النفايات العضوية ما يقارب 39 في المائة من إجمالي النفايات المنزلية، وتقدر نسبة النفايات الغذائية بنحو 20 في المائة.
والهدر ليس في الموائد الرمضانية فقط، ولكنه في المنازل والمطاعم والحفلات وأسواق المأكولات، وقد فطنت بعض الدول الأوروبية إلى ذلك الهدر الجائر، فاتخذت عدة إجراءات، ويا ليت الدول العربية والإسلامية تفعل مثلما فعلوا.
ففي بريطانيا افتتح أول متجر لطلبات الطعام يبيع المواد الغذائية التي تتخلص منها محلات السوبر ماركت والشركات الأخرى، وذلك في منطقة (غرانفيلد) الصناعية قرب مدينة (ليدز).
وسُعرت مخلفات المواد الغذائية على أساس (ادفع ما تشاء)، الأمر الذي ساعد العائلات الفقيرة على إعالة أطفالها.
وقال آدم سميث، مؤسس مشروع Real Junk Food، الذي يهدف إلى تغيير نظرة المواطنين إلى ما يتعلق ببقايا الطعام: «كنا نستقبل كميات ضخمة من الطعام في مقرنا المركزي بمدينة ليدز، إلى درجة أننا بدأنا نفكر في افتتاح مراكز كثيرة بمختلف المدن».
كما أن فرنسا أقرت قانوناً جديداً يحظر على المتاجر الكبرى التخلص من الطعام غير المباع، ويعاقب المخالفون بغرامات كبيرة، وقد يصل الأمر إلى السجن.
جاء فيه أنه يتعين على المتاجر التي تزيد مساحتها على 400 متر مربع توقيع عقود للتبرع بالطعام غير المباع، والصالح للاستهلاك إلى المؤسسات الخيرية أو لاستخدامه في إطعام الحيوانات أو كسماد زراعي، وتصل عقوبة مخالفة التشريع الجديد إلى السجن لمدة عامين وغرامة مالية تبلغ (75) ألف يورو، وكلما تتكرر المخالفة تتضاعف الغرامة.
وحسب تقديرات منظمة (الفاو) العالمية فهي تشير إلى هدر (مليار و300 مليون طن) من الأغذية سنوياً، في المقابل فإن شخصاً واحداً من بين كل سبعة أشخاص في العالم ينام جائعاً، وأن نحو (20 ألف) طفل دون سن الخامسة يموتون كل يوم من الجوع.
هناك مثل مؤلم عندنا يقول: (الجوع كافر).
فما هو حال الأب الذي يشاهد طفله وهو يحتضر بين يديه من شدّة الجوع؟! هل يكون له عذر وهو في هذه الحالة، أن يخرج على الناس شاهراً سيفه؟!