سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

الخليجيون في الجماعات الدينية

بغض النظر عن الأزمة القطرية الخليجية التي نتمنى أن نصحو ونراها قد انتهت، إلا أن هناك مؤشرات لاصطفاف جماعة الإخوان الخليجية مع قطر «الحاضنة» للجماعة، لا مع قطر «الدولة» وهنا الفرق.
فلو لم تكن قطر حاضنة لجماعة الإخوان لما وجدت خليجياً واحداً يدافع عما اقترفته قيادة قطر في حق دول الخليج، ولو كانت حاضنة الجماعة هي جزر الواق واق لكان موقف الإخوان الخليجيين من قطر مختلف تماماً.
الاصطفاف جعل من جرائم تلك «الحاضنة» في حق دولتهم مجرد (زلات) ممكن معالجتها بالحوار، أما رد فعل دولتهم وحقها الشرعي في الدفاع عن أمنها وسلامتها فهو (فتنة) لا بد من اعتزالها وعدم الخوض فيها! بهذه التربية الحزبية يتم انسلاخ أعضاء الجماعات من أوطانهم حين تتقاطع مصلحة وطنهم مع مصلحة الجماعة؛ فالجماعة تأتي أولاً.
ذلك مؤشر غاية في الخطورة، ولا أدري إن كان ذلك بوعي أم من دونه، إنما على الاثنين الدولة والمتعاطفين مع الجماعة أن يحسموا أمرهما، لا بد من فتح هذا الملف لا أمنياً فحسب، بل فكريا أيضاً؛ إذ إن تأجيله هو ما أفرز هذا الاصطفاف والتهرب من استحقاقات الوطن.
المصيبة ليست في اصطفافهم مع دولة خليجية، فذلك أهون ما يكون، إنما المصيبة في عدم قناعتهم بحق دولتهم المشروع في الدفاع عن سيادتها، «فالدولة» كمفهوم كاستحقاق غائبة أصلاً عن فكر تلك الجماعات الأممية؛ لذا كان من السهل لا استقطابهم للاصطفاف لصالح الجماعة فحسب، إنما سهولة استقطاب الناشطين منهم ليكونوا أدوات في مشاريع إسقاط الدول العربية، سواء بهدف إقامة دولة العدل كما يسمونها، أو لإقامة شرق أوسط جديد وفق المشروع الأميركي الذي أعلنت عنه كوندوليزا رايس - لا فرق هنا من هو صاحب المشروع - المهم أنه أصبح عندنا مواطنون خليجيون على استعداد لإسقاط دولهم طاعة لولي جماعتهم!
وحقيقة لا أفهم ولا أستوعب نوعية (الصابون) الذي غسلوا به عقل أي خليجي مقتنع بأن هدم الدولة الخليجية القائمة حالياً والتي منحته شرف المواطنة، والتي تحقق معدلات التنمية العالية التي يتمتع بها، سيخدمه؟
دعوا الأرقام تحكِ على النعم التي أنتم بها، قارنوا مؤشرات التنمية ومؤشرات دخل الفرد مع تلك الدول التي تدير مواردها تلك الجماعات، تلك دول غنية بالموارد، لكنها فقيرة في إدارتها وفي تحسين مستوى معيشة شعبها.
الخليجيون الذي يتبعون جماعة الإخوان ألا يرون أنهم محسودون على نعمة أمنهم واستقرارهم ونمائهم وامتيازاتهم ونوع الحياة التي ينعمون بها؟ ومثلهم الخليجيون الذين
ينضمون إلى جماعة الولي الفقيه ومنهم التاجر ومنهم الطبيب ومنهم المحامي؟ ألا يرون أنهم ينعمون بخيرات دولهم ويعيشون حياة يحسدون عليها؟ كيف بعد ذلك يوالون زعيماً إيرانياً ضد دولهم.
دع عنك ترف العيش ونعيمه الذي ينعم به الخليجي ويرفسه من أجل مرشد عام أو مرشد أعلى، دع عنك قياس المعيار المعيشي وكيفية إدارة الموارد ومقارنة أي دولة خليجية بأي دولة أخرى غنية قائدها مرشد أعلى، انظر إلى معيار الحقوق السياسية والمدنية، ماذا يحدث إن وضعنا أدوات الديمقراطية المنشودة والعصرية وآلياتها ومبادئها وقيمها بيد تلك الجماعات العابرة للسيادة، انظر لهم كيف تعاطت جماعة الولي الفقيه في البحرين مثلا حين أمسكوا بتلابيب تلك الأدوات، انظر لهم في دول تتيح لهم ممارسة حقوقهم السياسية ولديهم دستور يحكمهم وغرف منتخبة ورقابة شعبية، جميعهم بلا استثناء سخروا تلك الأدوات لا لتأسيس أحزاب وطنية سليمة جامعة لكل الأطياف، بل هدموا بتلك الأدوات أول قيمة وطنية بطائفيتهم الضيقة، فاحتكروا السلطة وأقصوا مخالفيهم.
فلا يسعون للتعايش مع الآخر، بل يسعون إلى عزل جماعتهم عن الدولة والتشكيك في شرعية نظامها الذي تمتعوا من خلاله بتلك الحقوق، إنهم يوظفون تلك الأدوات لصالح فكرة الدولة البديلة لا لصالح نهضة الدولة القائمة؛ لأن هدفهم هو هدم الدولة القائمة (دولة الجور) - كما يسمونها - وإقامة دولة العدل (دولة الإسلام) على أطلالها، أي جحود هذا؟
يبررون جحودهم بأنهم يريدون أن يمارسوا معتقداتهم الدينية بحرية، ها أنتم لكم مساجدكم ووعاظكم وتمارسون جميع معتقداتكم بحرية تامة، ولكم أوقافكم، ولكم محاكمكم، ولكم خمسكم أو لكم زكاتكم، وتحجون متى ترغبون، وتتصدقون لمن تودون، وتسافرون إلى مدنكم المقدسة وتعودون، أتهدم دول تمنح جميع تلك الحقوق والحريات وتنعمون بأمنها وتتعلمون في مدارسها وتتطببون في مستشفياتها مجاناً من أجل إقامة دولة تحقق لكم ذات الامتيازات؟
يذكرونني بالممرضة التي أعطوها تعليمات أن تعطي المريض دواء للنوم الساعة العاشرة مساء، فتدخل الممرضة كل يوم غرفة المريض في العاشرة تماماً وتفتح المصابيح وتوقظ المريض من نومه لتعطيه دواء النوم! (طيب ما كان نايم)