عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

عالم بلا إرهاب... قطر أولاً

الواقع الجديد في العالم يقول إن محاربة الإرهاب تتجه لأن تكون أولوية حقيقية وعملية لغالبية دول العالم، وأن المملكة العربية السعودية ستكون رأس حربة مهمة في هذه المحاربة بعد قمم الرياض الثلاث، ولمحاربة التطرف الصانع للإرهاب، والخطوة الأولى جاءت في اتخاذ الموقف العربي الرباعي المشترك، السعودية ومصر والإمارات والبحرين الصريح والمباشر والرافض لتمويل قطر للإرهاب وعلاقاتها به ودعمها له.
فتش عن شركاء قطر لتعرف من سيتضرر أكثر حين يتم كشف جميع الحقائق، وفتش عمّن يدافع عنها بكل جهده لتعرف من يمكن أن يكون الهدف الثاني بعدها، من شركائها من دولٍ وأحزابٍ، ومن جماعاتٍ وتنظيماتٍ، ومن رموزٍ ومثقفين، ومن تياراتٍ ومشاهير، فتش عن هؤلاء جميعاً، ولن تعرف من سيتضرر أكثر فحسب، بل ستكتشف الكثير من الألاعيب والمكائد والمكر الذي كان يحاك في عشرين عاماً وأكثر.
معارك السياسة تخاض بشكل استراتيجي متأنٍ يضمن عمق التأثير وضمان النتائج، وهو يتضمن بطبيعته معارك تكتيكية تتعامل مع كل مرحلة بما تتطلبه من أدواتٍ ووسائل، ولكن الثقل الحقيقي يكمن في الوعي الواقعي والرؤية المستقبلية، لتحقيق الأهداف والغايات.
ثمة أزمة كبرى بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة ثانية في مجلس التعاون الخليجي، والكويت تسعى للتوسط كعادتها، وهي حائرة في وضعها الداخلي وتوازناتها المحلية، وعمان تمارس دورها.
السعودية والدول الثلاث مدعومة من الولايات المتحدة ومن أكثر من خمسين دولة مسلمة حضرت قمم الرياض، ودول الاتحاد الأوروبي تتخذ مواقف متباينة، ولكنها تصبّ في المجمل تجاه تغيير ضروري في الممارسات السياسية لقطر، وقد اتجهت قطر في حالة الارتباك الذي تعيشها إلى خياراتٍ متناقضة، وهو ما اعتادت عليه في حالة صنع المكائد وهي مرتاحة، ولكنها مجبرة على التعامل معه اليوم بصفته حقيقة مفاجئة ووضعٍ مفروضٍ عليها.
بدأت تظهر للعلن قوة الاختلاف بين المشروعات السياسية الكبرى التي تصطرع في المنطقة، المشروع الإيراني الطائفي، والمشروع التركي القطري الأصولي، والمشروع السعودي الخليجي العربي المعتدل؛ وذلك لأنه حان الوقت لإعادة بناء التوازنات الإقليمية والدولية في المنطقة والعالم، واستئناف المستقبل بعيداً كل التشوهات التي أدت إلى الوضع الحاضر.
منذ أول يومٍ، بعد قمم الرياض الثلاث، اتجهت قطر لحلفائها الداعمين للإرهاب، لإيران وجماعة الإخوان المسلمين والحوثيين وغيرهم، واتجهت إلى تركيا، بهدف التخريب، وأمدت جماعات الإرهاب السني والشيعي بأموالٍ طائلة تصل لمئات الملايين من الدولارات علها تنجح في الاستمرار لسنواتٍ مقبلة ستكون كالحة في وجه سياساتها لدعم وتمويل الإرهاب.
لقد أسست جماعة الإخوان المسلمين لعمليات الاغتيال السياسي في العصر الحديث، وقد سبقتها في التاريخ الإسلامي فرقة الحشاشين المعروفة وقائدها المعروف ابن الصبّاح، التي سعت لاغتيال ثلاثة زعماء سياسيين في عملياتٍ متزامنة، والحشاشون الجدد هم كل جماعات الإسلام السياسي من جماعة الإخوان المسلمين إلى تنظيم داعش.
يعلم الباحث المتابع أن قطر بوصفها دولة امتداداً لجماعة الإخوان قد سعدت في هذا الاتجاه، فهي وبحسب تصريحات المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني الأخيرة، وبحسب المعلومات المتاحة من قبل للباحثين كانت شريكاً في محاولة اغتيال الملك عبد الله بن عبد العزيز في مكة في خطة مشتركة بين القذافي وحمد بن خليفة وسعد الفقيه وعبد الرحمن العمودي.
وفي ذروة انتشاء قطر بما كان يعرف بالربيع العربي، أبانت عن شيء من أسرارها، وقد أصدر القرضاوي من قطر فتوى باغتيال القذافي على الهواء مباشرة، وهو ما كانت تسميه الجماعة «يوم الدم» الذي يجب انتظار اللحظة التاريخية المناسبة له.
يحسب كاتب هذه السطور أنه لم يتكشف من مؤامرات قطر ومكائدها إلا النزر اليسير، والبقية ستأتي تباعاً، وستكون من الضخامة والسعة بما سيبهر العالم ويكشف عن عشرين عاماً من رعاية ودعم الراديكالية والإرهاب وطعن ظهر الأصدقاء والتحالف مع الأعداء.
لا أحد يعرف على وجه التحديد من يقود قطر اليوم، هل هو الأمير الوالد حمد بن خليفة أم ابنه الأمير تميم، ولم يخرج أحدٌ من القيادة القطرية ليبيّن هذه النقطة الغامضة، ولا أحد يعرف على وجه التحديد من يملك بزمام الدولة داخلياً، ومن الذي يمتلك حق التوجيه ورسم السياسيات والمخارج من هذه الأزمة، وهل الحل يكمن في التصعيد أم التهدئة، في الاتجاه للقوى الإقليمية أم العودة للحضن الخليجي.
بشكلٍ مفاجئ، وبعد غيابٍ طويلٍ، خرج حمد بن جاسم في مقابلة تلفزيونية مارس فيها كل خبرته في ممارسة الأكاذيب والألاعيب القديمة وسعى لخلط الحقائق وتقديم منظومة جديدة من التناقضات، التي يظن أنها قد تربك الموقف الصارم الذي يتصاعد ضد سياسات قطر الداعمة للإرهاب والراعية له، ولم يترك شيئا من الحجج المهترئة إلا استخدمه ولم تغنِ عنه شيئاً محاولاته المستميتة لاسترضاء الإدارة الأميركية الجديدة، كما لم يفهم أحدٌ ما الذي أعاده؟ ولا بأي صفة يتحدث؟
هذا مجرد مثالٍ على التخبط وضياع البوصلة والغموض الذي يكتنف توازنات القيادة في الدولة القطرية، أما بالنسبة للمواطن القطري فهو يبدو في حالة ذهولٍ من تكشف كل هذه الحقائق حول سياسات قيادته عبر أكثر من عقدين من الزمان، فهو بين مصدقٍ ومكذبٍ، فهو من جهة لديه ولاء تقليدي لقيادته، ومن جهة أخرى يدرك عمق ارتباطه الديني والثقافي وتراثه الاجتماعي المشترك مع دول الجوار التي تقاطع قيادته السياسية وتهتم به، ويتذكر جيداً عمق مشتركات اللغة والثقافة والدين والعادات والتقاليد مع المجتمعات التي تشكل عمقه الحقيقي ويستحضر حق الجوار والقرابة والتاريخ المشترك، ويقدر عالياً أن كل قرارات المقاطعة إنما تتجه للقيادة السياسة لا له، وهو على كل حالٍ ما أوضحته دول المقاطعة له بشكلٍ جلي في كل قراراتها.
أخيراً، فالعالم يتجه اليوم للقضاء على كل مصادر الإرهاب والدول الداعمة له، ولن يتوانى عن هذا التوجه حتى يحقق أهدافه المرجوة، والعاقل خصيم نفسه.

[email protected]