ليونيد بيرشيدسكي
TT

ما لم ينجزه هيلموت كول

كان المستشار الألماني السابق هيلموت كول، الذي توفي عن عمر ناهز 87 عاماً، الجمعة الماضية، الرجل الذي وضع تاريخ ألمانيا على السرير للنوم. كان هو أيضاً بواقعيته من ساعد في وضع الأساس للمواجهات الحالية بين روسيا والغرب.
وذات مرة، وصفت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر كول بأنه «ألماني جداً»، فقد كان سياسياً بارعاً، ونشط بالاتحاد المسيحي الديمقراطي منذ كان مراهقاً. وفي منتصف الثمانينات، لمع اسمه عالمياً مع الفرصة التاريخية التي سنحت له بتوحيد شطري ألمانيا. فقد فعل كول كل ما بوسعه من أجل بلاده، وشأن غيره من اللاعبين الكبار في عهده، فقد استهلكته الأحداث، وأصابته الحيرة من مجريات العالم من حوله، العالم الذي ساعد في تشكيله، لكنه لم يحقق فيه أحلامه.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، سأل الرئيس الأميركي جورج بوش عن انطباع كول عما كان يجري في برلين، حيث فشل الحائط في منع الناس من العبور، وحينها قال كول: «السور أشبه بنقطه المرور، فآلاف الناس يعبرون في كلا الاتجاهين، وهناك كثير من الشباب الذين بغرض الزيارة والاستمتاع بحياة الانفتاح، أتوقع أن يعودوا إلى منازلهم هذا المساء».
وحتى في هذه النقطة، وعندما ماتت الشيوعية، كان كول يفكر في الألمانيتين، وفي ألمانيا الشرقية وهي تعيد تشكيل نفسها، أو فقدانها لأفضل أبنائها الذين اتجهوا غرباً. بعد ذلك بقليل، اتضح أن الاتحاد السوفياتي المنهار لم يعد بوسعه مساعدة جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
وبعد أقل من عام، توجه كول إلى موسكو للتفاوض مع ميخائيل غورباتشوف، آخر الزعماء السوفيات، لمعرفة ما إذا كانت ألمانيا الموحدة يمكن أن تصبح عضواً في اتفاقية حلف شمال الأطلسي (الناتو). فقد اعتقد كول أن غورباتشوف سيطالب أن تظل البلاد محايدة، أو أنها ستطلب المال لتوافق على عضوية حلف شمال الأطلسي. ولاحقاً، حدّد مستشارو كول جميع الأرقام التي يمكن أن تقبلها ألمانيا كثمن عادل، وهو 50 ملياراً و80 مليار مارك ألماني، ولاحقا قال كول إن 100 مليار مارك ألماني ليس مبلغاً كبيراً. وخرج كول بوعد بإنفاق 300 مليون مارك لإعادة القوات السوفياتية من ألمانيا إلى بلادها، والمساعدة في بناء مساكن لهم.
كان انسحاب الروس مهماً لكول بصفة شخصية، فزوجته هنيلور تعرضت للاغتصاب على يد الجنود الروس، وهي في سن الثانية عشرة، ولم تحتمل اللقاء بغورباتشوف، أو أن تسمع كلمة روسية.
كان من الضروري مراعاة كل هذا التاريخ. فالسياسي كول فعل ما بوسعه ليضمن أن كل تلك الذكريات قد ذهبت طي النسيان، وعمل على تقديم مساعدات طارئة للاتحاد السوفياتي المنهار. وبعد انهياره، دفع لروسيا المفلسة، وتفاوض في اتفاقية ماسترخت التي خففت حدة التوتر بصورة تكفي لخلق ألمانيا متحدة. وحتى المارك الألماني لم يعد له وجود كجزء من الصفقة.
ما كان على ألمانيا فعله هو أن تنظف الصفحة لتعيش في هدوء كمقاطعة أوروبية تحت ظلال الولايات المتحدة، وسوف تكون دولة هادئة مسالمة إلى الأبد، بعد أن تسدد كل ما عليها.
لا يزال إرث كول للسلم والقوة الناعمة قوياً. ولكنه، مثل بوريس يلتسين من قبله، أخذ كثيراً من الأعمال التي لم تكتمل معه. ولا يسعني إلا أن أبدي أسفي على ذلك، على الرغم من أنني أفهم أن ذلك، ربما، ليس من العدل.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»