محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

لا تخش التفاؤل

التفاؤل والتشاؤم وجهان لعملة نفسية واحدة تتعامل وشعور المرء حيال شيء واحد قد يكون حدثاً صغيراً في محيط حياته أو قد يكون حدثاً كبيراً بحجم العالم.
قبل سنوات ليست بعيدة تنبأ المتنبئون أن السحابات السوداء التي غطت أوروبا قادمة من نيوزيلندا بفعل اضطراب جيولوجي ستستمر لنحو شهرين على الأقل وستغطي لا سماء أوروبا وحدها بل جزءا من القارة الآسيوية أيضاً.
هذا الخبر انتشر بكثافة أعلى من كثافة ذلك السحاب الذي بالتأكيد تسبب في فوضى في المطارات فتم إلغاء إقلاع أو هبوط الطائرات في عدد كبير منها، وغير سير ركاب رحلات كثيرة. أنت راكب في طريقك إلى باريس؟ لا بأس. ستجد نفسك في أثينا أو مراكش لبضعة أيام.
لكن عندما انقشع السحاب وعادت الحركة المشلولة إلى العمل، كان قد مرّ أسبوعان أو أقل وليس شهران أو أكثر. الناس تأقلمت وعادت إلى أعمالها وسفراتها وكأن شيئا لم يكن… ما كانت الحصيلة الإعلامية حول هذا الموضوع؟ تهويل وذعر غالباً ثم قليل من أخبار الانفراج وعودة المسائل إلى طبيعتها بعد ذلك.
إنه كما لو أن الخبر السيئ يتناغم ويتلاءم مع نفسياتنا أكثر من الخبر الجيد.
ونجد أنفسنا قادرين اليوم على معايشة التشاؤم كحالة نفسية (يسميها البعض واقعية) أكثر من تبني الحالة المتفائلة.
أكثر من ذلك، تفاءل في حديثك تجد أن أربعة من الخمسة المحيطين بك يسخرون منك ويناقضونك على الفور… «عم تحلم»، هي الكلمة المهذّبة التي تسمعها في مثل هذا الموقف.
تجهم واذكر السبب الوحيد الذي لديك حول مسألة ما تشعر حيالها بالإخفاق والإحباط، تجد أن غالبية مستمعيك (أو قرائك) يهزون رأسهم موافقين.
ألا يمكن أن نكون واقعيين؟ أم أن الواقع غارق في دسم التشاؤم؟
ربما هي مسألة بيولوجية. ربما ردات فعل الخلايا العصبية التي تتعامل مع المشاعر الداخلية المتشائمة أسرع مفعولاً وأكثر تأثيراً من تلك التي تتعامل مع التفاؤل. هكذا يقول د. دانيال كونمان. لكني لا أعتقد ذلك رغم أنني لست عالماً على الإطلاق.
أعتقد أن التفاؤل منحسر لأن الظروف المحيطة بالحياة العامة متأثرة كثيراً بما يقع سياسياً وأمنياً واقتصادياً في البلد الواحد أو في المنطقة المحيطة أو حتى حول العالم. هذا على الرغم من أن هناك الكثير من المعطيات الإيجابية التي لا ينصرف الإعلام لتغطيتها وإذا ما فعل فليس بالنسبة ذاتها التي يوفرها لتغطية المشاكل صغيرة كانت أو كبيرة.
من ناحية ثانية، هناك التكوين الداخلي الذي يجعل إنسان اليوم يخشى التفاؤل. ولم يخشاه؟ هناك سببان: الأول لأنه ما عاد يؤمن كثيراً بأن هناك ما يدعو للتفاؤل، والثاني أن صدّه التفاؤل يصبح نوعاً من دفاعه عن نفسه تحسباً لرد فعل محبط إذا لم ينجل التفاؤل عن خير ما.
أكثر من هذا، ينبري البعض لاعتبار هذا الوضع ممارسة واقعية لا علاقة لها بالتشاؤم مطلقاً. يسمونه «النقد الذاتي» على أساس أن الناقد لذاته لا يمكن، إذا كان صادقاً، إلا وأن يعيش حالة إحباط مبررة.
هذا ليس صحيحاً إلا في بال صاحبه. لا علاقة بالنقد الذاتي لا بالتفاؤل ولا بالتشاؤم. وبالنسبة لي، سأبقى متفائلاً لأني إذا فعلت وخسرت لا يزال هذا أفضل من أن أتشاءم وأربح.